بقلم كاثرين جيويل، شعبة الاتصالات، الويبو

اليوم، يداعب نسيم التفاؤل عالم الموسيقى حيث يترنم العشاق بكوثر الألحان والأغاني.

تكتسب الخدمات الرقمية الجديدة زخماً في شتى أنحاء العالم وتوفر فرصاً غير مسبوقة للمستمعين كي يكتشفوا ألحاناً جديدة ويتمتعوا بالموسيقى في أي زمان ومكان ويتواصلوا مباشرة مع فنانينهم المفضلين. وإذ ترتفع معدلات النفاذ إلى الإنترنت والهواتف المحمولة على الصعيد العالمي، يُتوقع أن يزداد النفاذ العالمي إلى الموسيقى. وتوفر أسواق الموسيقى غير المستغلة في الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية إمكانات هائلة لتنمية التجارة وزيادة الاستثمارات في المواهب الموسيقية المحلية.

ويركز اليوم العالمي للملكية الفكرية هذا العام، تحت شعار "الإبداع الرقمي: الثقافة تتجدد"، على الفرص والتحديات العديدة التي تطرحها الثورة الرقمية ولا سيما تأثيرها في سبل إنتاج الموسيقى وغيرها من المصنفات الثقافية وتوزيعها والتمتع بها في شتى أنحاء العالم فضلاً عن الأهمية الدائمة لحقوق الملكية الفكرية في الاعتراف بالمبدعين ومكافأتهم وتوليد قيمة اقتصادية من أعمالهم.

وإضافة إلى القيمة الإنسانية والثقافية للموسيقى، فإن قيمتها الاقتصادية مستمدة من حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالمصنفات الأصلية وأدائها ونشرها. ولعل هذه الحقوق هي ركيزة المعاملات التجارية اليومية والعديدة في قطاع الموسيقى. ولعل حق المؤلف والحقوق المجاورة من أهم حقوق الملكية الفكرية (وهي حق المؤلف وحقوق التصاميم والعلامات التجارية والبراءات) بالنسبة إلى الموسيقيين.

تحدَّد هذه الحقوق في إطار القوانين الوطنية الخاصة بحق المؤلف والتي يوضع جزء كبير من أحكامها بناء على المعاهدات الدولية التي تخضع غالبيتها لإدارة الويبو (انظر المؤطر). ويحدد قانون حق المؤلف الحقوق الممنوحة لمؤلفي المصنفات الأصلية ولفناني أداء هذه المصنفات فضلاً عن الجهات التي تدعم نشرها على نطاق واسع (مثل شركات التسجيل وهيئات البث).

ويبدأ دور حماية حق المؤلف بعد إصدار المصنف – أي كتابة الكلمات أو الألحان أو تنظيمها أو تسجيلها. ولا يوجد أي إلزام رسمي بتسجيل مصنف لدى إدارة وطنية على الرغم من أنه في بعض البلدان، مثل الولايات المتحدة، لا يجوز رفع دعوى قضائية لانتهاك الحقوق إلا بعد تسجيل المصنف لدى مكتبة الكونغرس.

وبموجب اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية لعام 1886 (الويبو)، يُحمى المصنف الأصلي لمدة لا تقل عن 50 عاماً بعد وفاة المؤلف ولكن تبلغ هذه المدة 70 عاماً أو أكثر في العديد من الولايات القضائية.

الغرض من حق المؤلف

باختصار، يمكِّن حق المؤلف أصحاب الحقوق من البت في جهة استخدام مصنفاتهم وسبل هذا الاستخدام وتوقيته ومدته ومكانه. وإن أحد الأغراض من حق المؤلف هو تهيئة الظروف المؤاتية لتمكين المبدعين من كسب العيش من موهبتهم عن طريق الحصول على عائد مالي لقاء ما استثمروه من وقت وطاقة في إعداد مصنفهم، والاعتراف بهم كمؤلفي هذا المصنف.

ويشمل حق المؤلف الحقوق الاقتصادية التي تخول المبدع الحق في السماح بما يلي أو حظره أو تلقي مقابل مالي لقائه (في شكل مكافأة عادلة):

  • نسخ مصنف على قرص مدمج أو رفعه على الإنترنت أو دمجه في فيلم مثلاً؛
  • توزيع نسخ من المصنف؛
  • نقل المصنف إلى الجمهور. إذا عُزف مقطع موسيقي في مكان عام أو بث عبر مكبرات الأصوات في مراكز التسوق والملاهي الليلية، تُدفع إتاوة للمؤلفين و/أو فناني الأداء و/أو أصحاب الحقوق وفقاً لأحكام القوانين الوطنية؛
  • إتاحة المصنف للجمهور عن طريق البث أو غيره (من خلال الإذاعة أو التلفزيون أو البث الشبكي)؛
  • تحوير المصنف (إذا ترجم شخص كلمات أغنية وأراد تسجيلها باستخدام الموسيقى ذاتها المستخدمة في الأغنية الأصلية أو غيَّر مصنفاً أصلياً عن طريق إضافة عناصر جديدة، تعين الحصول أولاً على إذن أصحاب الحقوق على المصنف الأصلي). والمصنف المحوَّر الجديد مؤهل بذاته للحصول على الحماية بموجب حق المؤلف. ووفقاً لأحكام اتفاق ترخيص المصنف الأصلي، قد يُلزم أي شخص يود نشر هذا المصنف أو استخدامه بالحصول على إذن مسبق من صاحب أو أصحاب الحقوق على المصنف الأصلي.

ويمنح حق المؤلف أيضاً حقوقاً معنوية (المادة 6(ثانيا) من اتفاقية برن) تسمح لمبدع المصنف أن يتمتع بصفة مؤلف المصنف (الحق في الأبوة أو الإسناد) وأن يعترض على أي تغيير من شأنه أن يضر بمصنفه أو يسيء إليه (الحق في السلامة).

العديد من الفنانين المفضلين لدينا لا يؤلفون أغانيهم، وإنما يؤدون أو يعرضون مصنفات أبدعها الغير. ويضفون عليها طابعاً مميزاً وفريداً عن طريق أدائهم؛ وعليه فإنهم يتمتعون ببعض الحقوق الشبيهة بحق المؤلف تُعرف باسم "الحقوق المجاورة" المتعلقة بأدائهم. والجهات المستفيدة الأخرى من الحقوق المجاورة شركات التسجيل (المعروفة باسم "منتجو التسجيلات الصوتية") وشركات البث. ويضفي كل منهما قيمة خاصة على المصنف إما عن طريق إبداعها الفردي الخاص أو خبراتها أو مواردها المالية والتنظيمية.

يمكن لفناني الأداء المستفيدين من حقوق مجاورة أن يسمحوا للغير أو يمنعوه من تسجيل (تثبيت) أو بث عروضهم المباشرة؛ أو توزيع عروضهم المسجلة على الجمهور أو بثها أو إتاحتها أو توفيرها للجمهور. وقد يفضل فنانو الأداء المطالبة بالحصول على "مكافأة عادلة" أي مقابل عادل يُدفع لفناني الأداء والمنتجين أصحاب الحقوق لقاء بث مصنفاتهم وتوفيرها للجمهور. وتُمنح هذه الحقوق عادة لمنظمات الإدارة الجماعية التي تتولى إنفاذها باسم فناني الأداء و/أو المنتجين.

تمنح معاهدة بيجين بشأن الأداء السمعي البصري (2012) وبعض القوانين الوطنية لفناني الأداء حقوقاً معنوية تخص الحق في الأبوة أو الإسناد والحق في سلامة الأداء (انظر أعلاه). وإن "حق الإتاحة" الوارد في معاهدة الويبو بشأن حق المؤلف والمنصوص عليه في معاهدة الويبو بشأن الأداء والتسجيل الصوتي يمنح المؤلفين وفناني الأداء ومنتجي التسجيلات الصوتية الحق في السماح أو عدم السماح بنشر مصنفاتهم وغيرها من المواد المحمية عن طريق الوسائل الرقمية مثل البث التدفقي.

الجهات الأخرى المستفيدة من الحقوق المجاورة

يتمتع منتجو التسجيلات الصوتية (المسؤولون عن تثبيت مصنف عن طريق تسجيله مثلاً) بحقوق مجاورة تخص السماح أو عدم السماح بنسخ واستيراد وتوزيع "تسجيلاتهم الصوتية" أو تسجيلاتهم أو أقراصهم المدمجة وما إلى ذلك. ويتمتعون أيضاً بالحق في الحصول على مكافأة عادلة لقاء بث تسجيلاتهم على الجمهور ونقلها إليه.

وتتمتع هيئات البث، التي تستثمر مبالغ كبيرة في إعداد البرامج وبثها وإعادة بثها، بالحق في السماح أو عدم السماح بإعادة بث برامجها الإذاعية أو تثبيتها أو نسخها.

مدة سريان الحقوق المجاورة

تُكفل الحقوق المجاورة لفناني الأداء ومنتجي التسجيلات الصوتية لمدة 50 عاماً بموجب معاهدة بيجين ومعاهدة الويبو بشأن الأداء والتسجيل الصوتي واتفاق جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة (تريبس) اعتباراً من تاريخ تسجيل المصنف أو تاريخ أدائه لأول مرة. أما حقوق هيئات البث، فهي محمية لمدة 20 عاماً؛ ولكن قد يتغير هذا الوضع إذا أفضت المفاوضات الجارية إلى معاهدة دولية جديدة بشأن هيئات البث.

القيود المفروضة على هذه الحقوق

تُفرض بعض القيود على حق المؤلف والحقوق المجاورة (ترد في أحكام القوانين الوطنية بشأن حق المؤلف) في ظل ظروف معينة مثل استخدام المصنف كلياً أو جزئياً لأغراض التدريس أو البحث العلمي أو نشر الأخبار.

وتقر غالبية البلدان بإمكانية استخدام مصنف دون الحصول على إذن مالك الحق ولكن تنظِّم هذا الاستخدام بطرائق مختلفة. فقد وضعت بعض البلدان قائمة بالاستخدامات "المسموح بها" بينما حدد بعض آخر أحكاماً عامة في قانون حق المؤلف (مثل مفهوم "الاستخدام العادل" في الولايات المتحدة الأمريكية). وتشمل عوامل استيفاء "الاستخدام العادل" طبيعة الاستخدام والغرض منه، وطبيعة المصنف المستخدم؛ وحجم الجزء المستخدم من المصنف؛ والأثر المحتمل على القيمة التجارية للمصنف.

ومن حيث المبدأ، يجب أن يقتصر "الاستخدام الحر" للمصنفات المحمية على بعض الحالات المعينة؛ إذ يجب ألا "يتعارض مع الانتفاع العادي بالمصنف"؛ ويجب ألا "يخل إخلالاً غير معقولاً بالمصالح المشروعة للمؤلف (أو صاحب الحق)". وتقيَّم هذه المعايير عادة في إطار "اختبار الخطوات الثلاث".

الاستفادة من هذه الحقوق

يمكن لمالك الحقوق الاقتصادية على عمل موسيقي (لا يمكن انتزاع الحقوق المعنوية عن المؤلف الأصلي بتاتاً) أن يدر دخلاً من هذا العمل. إذ يمكنه بيع العمل أو ترخيصه للغير – وهو شركة أو فرد ذو وضع جيد لتسويق العمل – لقاء مقابل يُعرف باسم "الإتاوة" وترتهن المدفوعات عادة بالاستخدام الفعلي للمصنف. ويمكن التنازل عن حقوق السماح أو عدم السماح ببعض الأفعال المذكورة آنفاً أو كلها. وفي كلتا الحالتين، يصبح الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي تباع له الحقوق أو يتنازل عنها لصالحه المالك الجديد لحق المؤلف. ولا تجيز بعض البلدان مثل ألمانيا هذا التنازل قانوناً؛ وفي هذه الحالة، لا يجوز إلا ترخيص المصنفات.

ويعني الترخيص أن يبرم مالك حق المؤلف عقداً مع طرف ثانٍ حيث يسمح له باستخدام المصنف لغرض معين ولمهلة زمنية محددة. فقد يسمح مؤلف أغنية مثلاً لناشر موسيقي أن يسجل فنانو أداء أو شركات تسجيل أغانيه. وقد تكون هذه التراخيص استئثارية أي لها طرف ثانٍ واحد فقط أو غير استئثارية وتشمل عدة أطراف.

ونظراً إلى عبء إبرام المؤلفين وفناني الأداء اتفاقات ترخيص مع كل محطة إذاعة أو تلفزيون أو شركة تود استخدام مصنفاتهم، يبرم الموسيقيون وغيرهم من المبدعين غالباً اتفاقات ترخيص استئثاري مع منظمة إدارة جماعية.

وتعمل منظمات الإدارة الجماعية باسم مؤلفي الأغاني والموسيقيين وفناني الأداء وتقيم شبكات بين المبدعين والراغبين في استخدام مصنفاتهم. وقد تجيز قوانين وطنية لمنظمة إدارة جماعية أن تتفاوض باسم المؤلفين أو فناني الأداء. وتتولى هذه المنظمات السماح باستخدام الأعمال الإبداعية؛ وتحصيل رسوم الترخيص أو الإتاوات وتوزيعها؛ ورصد حالات إساءة الاستخدام والتعدي على الحقوق.

وإن كل مقطع موسيقي محمي بموجب حق المؤلف. فيغطي حق المؤلف الموسيقى لحناً وكلمات وتغطي الحقوق المجاورة التسجيل الصوتي. فإذا رغب أحد في استخدام عمل موسيقي كلياً أو جزئياً، وجب عليه الحصول على إذن صاحب أو أصحاب حق المؤلف أولاً إلا في الحالات المشمولة بالتقييدات (انظر القسم السابق). ويمكن لمنظمات الإدارة الجماعية أن تساعد الراغبين في الحصول على التصريحات اللازمة لاستخدام مصنف محمي، كما تساعد الفنانين على إدارة أعمالهم الموسيقية وتحصيل الإتاوات عنها.

إن العينات (أي اقتطاع جزء من تسجيل صوتي وإعادة دمجه في عمل جديد لأغراض تجارية) أو التجميعات (أي تجميع أغنية عن طريق دمج أعمال مسجلة سابقاً) دون الحصول على إذن ملاك الحقوق على المصنفات الأصلية عملية محفوفة بالمخاطر وتؤدي غالباً إلى ملاحقة قضائية.

فقد بات من الممكن تحليل تفاصيل الأعمال الموسيقية وتحديد صلاتها المباشرة بآلاف الأغاني بفضل مواقع إلكترونية مثل WhoSampled.com أو تطبيقات محمولة مثل Shazam للتعرف على الأغاني. انظر مثلاً المقاطع التصويرية لروبين ثيك وفاريل ويليامز "Blurred Lines" التي وجدت محكمة أمريكية مؤخراً أنها تعدت على أغنية مارفين غاي "Got to Give it Up" لعام 1977.

ويؤمن بعض الفنانين إيماناً راسخاً بأنه ينبغي للفنان أن يكون صاحب القول الفاصل في زمان ومكان استخدام مصنفه بل في المستخدم نفسه. وقال ستيفين تايلار، المغني الرئيسي لفرقة آيروسميث أن "الموافقة هي أهم حق يتمتع به الفنان أو كاتب الأغنية؛ فلا بد أن يحتفظ بهذا الحق في الموافقة على طريقة استخدام مصنفاته". أما البعض الآخر فهو سعيد بإتاحة أعماله لاستخدام الغير. انظر مثلاً الأعمال المنشورة على مكتبة عينات استوديو Rubber Tracks. وينظر الموسيقيون، الذين يسهمون في هذه المكتبة الكبرى والخالية من الإتاوات، إلى العينات كوسيلة للوفاء ببعض من دينهم للمجتمع.

دعمه وحمايته في إطار قانوني محكم. ومن هنا تتجلى الأهمية القصوى لإقامة إطار آمن وملائم لحق المؤلف لفائدة الفنانين وشركات الإنتاج".

قال بلاثيدو دومينغو رئيس الاتحاد الدولي لصناعة الفونوغرامات إن "الاستثمار في الموسيقى متناهياً، فهو كالإبداع يجب وتقوم صناعة الموسيقى على حق المؤلف. وأضاف التينور الإسباني في هذا الصدد أن "حق المؤلف هو منهل الاستثمار في الموسيقى. إذ يمكِّن هذا القطاع، الذي يساعد الفنانين، من الحصول على عائد على استثماره وحشد موارد وأموال جديدة لصالح الجيل القادم من المواهب".

الحقوق أم عملة الإبداع

لعل حقوق المبدعين الموسيقيين أشبه بالعملة التي يمكن التفاوض عليها في هذا القطاع. إذ يمكن لمؤلفي الأغاني والملحنين مثلاً أن يبرموا عقود نشر مع ناشر موسيقى حيث يتنازلون عن حقوقهم على الكلمات والألحان والموسيقى. ويتعهد الناشر في المقابل بترويج مصنفهم بين فناني التسجيل ووسائل الإعلام (شاشات العرض الكبيرة والصغيرة وغيرها) وتحصيل الإتاوات عند الاقتضاء قبل توزيعها على مؤلفي الأغاني والملحنين.
ويتولى ناشرو الموسيقى تحصيل أنواع مختلفة من الإتاوات يلي بيانها:

    • إتاوات النسخ الآلي من بيع الموسيقى المسجَّلة (قرص مدمج أو تحميل رقمي) وتدفعها شركات التسجيل للناشرين؛
    • إتاوات العروض العامة التي تجمعها منظمات حقوق الأداء (مثل جمعية كتاب المسرح والملحنين الأوروبيين (SESAC) ومنظمة الموسيقى الإذاعية (BMI) والجمعية الأمريكية للمؤلفين والملحنين والناشرين (ASCAP) وجمعية حقوق الأداء الموسيقي (PRS)) من المحطات الإذاعية والشركات أو أي طرف يبث الموسيقى المسجَّلة؛
    • <li
إتاوات النسخ التزامني
    التي تدفع عند استخدام مقطع موسيقي في فيلم أو برنامج تلفازي.

يحلم العديد من الموسيقيين بتسجيل أغنية لدى شركة تسجيل كبرى. وورد في تقرير أصدره الاتحاد الدولي لصناعة الفونوغرامات في عام 2014 بعنوان "الاستثمار في الموسيقيى" (www.ifpi.org/investing-in-music.php) أن "شركات التسجيل هي المسثمر الرئيسي في الحياة المهنية للموسيقيين). ففي عام 2013، استثمرت شركات التسجيل 4.3 مليار دولار أمريكي في شتى أنحاء العالم لإبراز صورة الفنانين وترويج أعمالهم.

ويحلم الفنانون بذلك لأن إبرام عقد تسجيل حصري مع شركة تسجيل يعني ضمان الحصول على الدعم في الحياة المهنية وعلى الترويج للأعمال الإبداعية بل دفعة مالية مقدمة (تتراوح بين 000 50 و000 350 دولار أمريكي).

وورد في التقرير ذاته أن دور شركات التسجيل هو "اكتشاف الفنانين ورعايتهم وترويج أعمالهم" ونقلها إلى أكبر عدد من الناس. وتقدم هذه الشركات الدعم المالي وتوفر الخبرات والمهارات والعلاقات اللازمة لتحقيق ذلك. وقد يساعد إبرام عقد تسجيل الفنانين الموهوبين على التميز في سوق مشبعة وتنافسية. "ولعل العلاقة بين الفنانين وشركات الإنتاج هي علاقة الشراكة الرئيسية التي يرتكز عليها عالم الموسيقى المعاصر".

ويلخص دانييل غلاس، رئيس ومؤسس شركة غلاسنوت ريكوردس، أهمية شركات التسجيل المتواصلة للفنانين على النحو التالي: "نادراً ما ينجح فنان وفريقه. إذ إن دور الفريق هو دعم الفنان، وإيصال أعماله الموسيقية إلى المتاجر ومحطات الإذاعة، وتنظيم الأنشطة الترويجية والإعلامية في الصحف والتلفاز. ويساعدك الفريق على التميز بين كل الأعمال الموسيقية المتاحة على منصات البث التدفقي وشبكات التواصل الاجتماعي كي يكتشفك الناس أنت الفنان".

وتتوسع قائمة الخدمات التي توفرها شركات التسجيل للفنانين مع توسع سوق الموسيقى الرقمية. ويفسر ماكس هول، المدير والرئيس التنفيذي للمجموعة الدولية يونيفيرسال ميوزيك أن "أهمية شركات التسجيل بالنسبة إلى الفنانين ازدادت ولم تقل. ولقد وفرنا للفنانين وأعمالهم المساعدة في مجالات التسويق والترويج والمبيعات والتوزيع المادي. ولا نزال نقدم هذه الخدمات والمزيد في عام 2014. إذ أصبحنا شركاء مع مئات الشركاء الرقميين، ونطلق حملات رقمية وخدمات شبكية جديدة، ونوفر للفنانين معلومات عن آراء المستهلكين وبحثاً وتحليلاً للبيانات وترويجاً على وسائل الإعلام الاجتماعية، وننظم حملات موجهة إلى المستهلكين مباشرة، ونطور منتجات مثل صيغ رقمية جديدة ومنتجات فاخرة وخدمات محمولة، ما يتيح عدداً لا حصر له من مصادر الدخل الجديدة.

ويضع العديد من الموسيقيين الجدد شبكاتهم الجديدة على الإنترنت عبر منصات التواصل الاجتماعي سعياً إلى توسيع قاعدة المعجبين. وقد يكون من النادر أن يصل فنان إلى النجومية بهذه الطريقة (مثل Psy وأغنيته Gangnam Style)، ولكن ازداد عدد شركات التسجيل التي ترى وسائل الإعلام الاجتماعي مقياساً لشعبية الفنان.

المخاطر التي تتعرض لها شركات التسجيل

تتحمل شركات التسجيل غالبية المخاطر المتعلقة بإطلاق فنان جديد في سوق رئيسية، ما يكلفها مبلغاً يتراوح بين 000 200 و000 700 دولار أمريكي. ولا تحقق شركات التسجيل دخلاً من غالبية الألبومات التي تنتجها نظراً إلى أن قلة قليلة فقط من الفنانين ينجحون تجارياً. وقال نيك رافاييل، رئيس شركة كابيتول ريكوردس المتعاقدة مع الفنان سام سميث: "إننا نستثمر الكثير من الجهد والمال في كل المبادرات غير الناجحة قبل الناجحة. وتتعدد أسباب عجز الفنان عن جذب الجمهور ولكنها لن تكون أبداً الافتقار إلى جهد أو دعم الشركات الحريصة كل الحرص على نجاحه".

عصر خدمات التدفق الشبكي الرقمي

يزداد تركيز شركات التسجيل على التسويق الشبكي مع ازدياد عدد المنصات الرقمية. وأدت الشعبية المتنامية لخدمات البث التدفقي الرقمي إلى تغير طريقة استرداد شركات التسجيل المقدمة المالية التي تدفعها للفنانين. فقد كانت تستردها من خلال المبيعات وأصبحت تستردها الآن من خلال إيرادات التحميلات والبث التدفقي.

وتذلل هذه المنصات الرقمية الجديدة العقبات أمام النجاح – إذ إن رفع أغنية على الإنترنت يروجها على الصعيد العالمي – وييسر للمستمعين اكتشاف مواهب جديدة. وعلق نيك رافاييل، رئيس شركة كابيتول ريكوردس بالمملكة المتحدة، على نجاح الفرقة الأسترالية "5 سيكوندس أوف سمر" (5SOS) التي احتل ألبومها الأول أعلى قائمة آيتيونز في أكثر من 70 بلداً قائلاً إن "العصر الرقمي يعني أنه يمكنك أن تعرض عملاً في شتى أنحاء العالم في الوقت ذاته، ولم يعد من الممكن أن تحتفظ بأي شيء والموسيقى تتردد أصداؤها في كل أرجاء شبكة الإنترنت".

خلال بضعة أعوام فقط، ثبتت خدمات رقمية مثل Spotify (20 مليون مشترك مساهم حتى يونيو 2015) وApple (نحو 10 ملايين مشتركين حتى يناير 2016) وDeezer (أكثر من 6.3 مليون مستخدم) أقدامها في عالم الموسيقى. وأصبح يبلغنا يومياً خبر إطلاق خدمة بث موسيقية جديدة..

ووفقاً لتقرير الاتحاد الدولي لصناعة الفونوغرامات عن الموسيقى الرقمية في عام 2015، ارتفعت إيرادات القطاع الرقمي بمبلغ قدره 6.9 مليار دولار (أي بنسبة 6.9 بالمئة) في عام 2014. وأشار التقرير ذاته إلى أن إيرادات الموسيقى الرقمية أصبحت تساوي المبيعات المادية على الصعيد العالمي.

وقال لوري ريشارد التابع للاتحاد الدولي لصناعة الفونوغرامات إن خدمات البث التدفقي "قنوات بيع للموسيقى المسجلة". وأشار إلى أن أحد أكبر الاختلافات بين البث التدفقي وبيع الأقراص المدمجة وغيرها هي "طريقة الدفع لأصحاب الحقوق. فبالنسبة إلى مبيعات الأقراص المدمجة والتحميلات، يحصل أصحاب الحقوق على رسم متفق عليه عند بيع المنتج بغض النظر عن استماع المستهلك للموسيقى. وأما في النموذج القائم على الاستهلاك المطبق في خدمات البث التدفقي، فيحصل أصحاب الحقوق على دخل جارٍ مع استهلاك المحتوى. إذ يحصل أصحاب الحقوق على دفعات قليلة أولية، ويتراكم الدخل على فترة زمنية أطول".

ويرى العديد أن نموذج البث التدفقي القائم على الاشتراكات قادر على ضمان الاستدامة الطويلة الأجل لصناعة الموسيقى العالمية.

تكلفة إطلاق فنان جديد في سوق موسيقى رئيسية

    تتراوح التكلفة بين 000 200 و000 700 دولار أمريكي.
  • تتراوح المقدمة المالية التي تمنحها شركة تسجيل كبرى بين 000 50 و000 350 دولار أمريكي.
  • تتراوح التكلفة المتوسطة لإنتاج ثلاثة فيديوهات بين 000 50 و000 300 دولار أمريكي.
  • تتراوح التكلفة المتوسطة للتسجيل بين 000 150 و000 500 دولار أمريكي
  • تتراوح التكلفة المتوسطة لدعم الجولات بين 000 50 و000 150 دولار أمريكي

تؤدي العلامات التجارية دوراً متزايد الأهمية في عالم الموسيقى. فمن الناحية التقنية، العلامة التجارية أو علامة الخدمة هي علامة تميز السلع والخدمات التي تنتجها وتوفرها شركة ما عما تنتجه وتوفره شركة أخرى. وفي عالم الموسيقى، فإن اسم الفريق هو علامته؛ وعليه يمكن حمايتها كعلامة خدمة. وتشمل أمثلة الأفرقة التي تمتلك علامات تجارية The Grateful Dead وAerosmith وREM. ويمكن للأفرقة أن تسجل علامات تجارية تخص الألبومات أو القمصان أو أي بضائع أخرى تنتجها.

وتكتسب الفرقة من خلال العلامة التجارية حقاً استئثارياً في استخدام اسمها كمزود لخدمات ترفيهية، ومزيداً من التحكم على هويتها. وقد يسهم الحصول على علامة تجارية في حشد مصادر دخل إضافية عن طريق الترخيص أو بيع المنتجات المشتقة مثلاً.

ويعدُّ تسجيل اسم فرقة كعلامة تجارية خطوة أولى هامة تساعد على تفادي وضع تتنازع فيه فرقة مع أخرى تستخدم الاسم نفسه في مكان آخر في العالم. وقد يؤدي ذلك الوضع إلى اضطرار الفرقة لتغيير اسمها أو إضافة كلمة أخرى إلى اسمها. وقد واجهت الفرقة البريطانية One Direction هذا الوضع ولاحقتها فرقة بانك أمريكية تحمل الاسم ذاته في عام 2012 وإن رُدت الدعوى في نهاية المطاف.

وعلى غرار القطاعات التجارية الأخرى، فإن العلامة التجارية للفرقة أصل قيم للغاية ينطوي على الشهرة والسمعة المكتسبة على مدار الوقت. وفضلاً عن ذلك، تؤدي العلامات التجارية دوراً رئيسياً بالنسبة إلى القطاعات التي تعمل في مجال الموسيقى وتركز على تطوير الآلات وأنظمة الصوت وغيرها من التكنولوجيات التي تجعلنا كل يوم أقرب إلى الموسيقى التي نعشقها.

ولا تؤهل عادة أسماء الأغاني للحصول على الحماية بموجب علامة التجارية ولكن قد تكون المنتجات المشتقة أو جزء من مجموعة الأصناف الإبداعية مؤهلة لذلك. فعلى سبيل المثال، تمتلك Meat Loaf علامة تجارية اسمها "A Bat out of Hell" استُخدمت كعنوان لمجموعة مكونة من ثلاثة ألبومات. ولكن إذا تمكنت شركة من إثبات أن المستهلكين أصبحوا يربطون اسم أغنية بفنان محدد حصراً، فيُعتبر أن هذا الاسم قد اكتسب بعداً مميزاً يؤهله للتسجيل.

الموسيقى والتجارة: علاقة تكافلية

تربط الموسيقى والتجارة علاقة تكافلية قديمة. إذ أقر المسؤولون عن التسويق منذ زمن بعيد بقدرة الموسيقى على جذب العملاء وإقامة صلة عاطفية معهم. ويستفيد الفنانون الجدد الباحثون عن منصات جديدة لترويج مصنفاتهم غالباً من حاجة الشركات إلى توسيع قاعدة عملائهم. ويتمتع الفنانون الذين يمتلكون علامة تجارية بمكانة جيدة للاستفادة من رعاية هذه الشركات ومن فرص التسويق المحتملة.

وورد في دراسة حديثة أجراها ائتلاف مستقبل الموسيقى أن "مبيعات المنتجات المشتقة هي أحد أكثر المصادر شيوعاً لتوليد دخل من علامة الفنان". وفضلاً عن ذلك، فإن الفنانين القادرين على الاستفادة من علامتهم (خلافاً للملحنين وأعضاء أفرقة العزف وفناني الأداء المستأجرين وغيرهم) يزدادون فطنة في استخدام علاماتهم.

وإن بيع المنتجات الاستهلاكية لا يدر دخلاً فحسب وإنما يعدُّ أيضاً وسيلة فعالة للفرقة أو للفنان كي يوسع قاعدة جمهوره. وقد استفاد البعض مثل كارلوس سانتانا من بيع منتجاته لأغراض خيرية. إذ ورد على موقع Brandchannel.com أن أسطورة الروك قد أطلق في عام 2001 علامة أحذية النساء "Carlos by Carlos Santana" وكانت نسبة من المبيعات توجه إلى مؤسسة ميلاغرو التي يمتلكها سنتانا والتي تسعى إلى تحسين حياة الأطفال في شتى أنحاء العالم.

وإذ يزداد العالم رقمنة، أصبح من الممكن للأفرقة المحلية أن تكتسب شهرة عالمية بسهولة من خلال نشر مصنفاتها على الإنترنت أو من خلال إطلاق صفحة إلكترونية. ويضاعف ذلك أهمية إحكام تلك الأفرقة حماية حقوقها على علامتها التجارية.

الابتكار هو جوهر الموسيقى. فإن البحث عن أصوات مميزة جديدة وعن سبل لتحسين تجربة الاستماع (مثل الإذاعة وأجهزة الاستماع المحمولة ومشغلات MP3 والآيبود والحواسيب اللوحية وغيرها) قد دفع عجلة النمو التجاري لهذا القطاع وأدى إلى تحقيق طفرات تكنولوجية كبرى. ولا يزال البحث عن أغنية الموسم القادم يشكل طريقة إنتاج الموسيقى؛ وطريقة الاستماع إليها؛ وطريقة إدرار الموسيقيين والقطاع بأكمله للدخل وكسب العيش من المصنفات الإبداعية.

وحرصاً على تمكين المسؤولين عن اختراع هذه التكنولوجيات المتزايدة التعقيد من استرداد تكاليفهم ومنع الآخرين من نسخ أعمالهم أو التطفل على وقتهم وجهدهم في تطوير هذه التكنولوجيا، يمكن للمخترعين أن يلتمسوا الحماية بموجب براءة.

وتمنح المكاتب الوطنية للملكية الفكرية براءات للتكنولوجيات الابتكارية والجديدة والمفيدة وغير البديهية لشخص من أهل المهنة. ووُضعت البراءات مثل باقي حقوق الملكية الفكرية للاعتراف بالمخترعين ومكافأتهم وتشجيعهم على مواصلة استحداث منتجات تكنولوجيات أفضل مع ضمان استفادة الجمهور من هذه الاختراعات. والبراءة صالحة (على أن تسدد الرسوم الدورية) لأجل أقصاه 20 عاماً ثم تدرج في الملك العام أي أنه يمكن لأي شخص حينئذ أن يستخدم هذه التكنولوجيات دون الحصول على الإذن المسبق لصاحب الحق.

وأدت هذه التغييرات الناجمة عن التكنولوجيات الجديدة، ولا سيما الاستخدام الواسع للإنترنت وغيره من التكنولوجيات الرقمية حالياً، إلى ثورة في جميع جوانب صناعة الموسيقى – من تلحين وأداء وتسجيل إلى التوزيع والترويج والاستماع – وقد أثرت أيضاً في طريقة مكافأة أصحاب الحقوق على الأعمال الموسيقية.

فعلى سبيل المثال، توفر خدمات البث التدفقي الجديدة مثل Spotify وDeezer للمستهلكين نفاذاً غير مسبوق لمكتبة ضخمة من الموسيقى يتبادلونها ويتمتعون بها، ولكن يدور نقاش بين الموسيقيين بشأن مزايا هذه الخدمات وعيوبها كنماذج أعمال جديدة. فيرى البعض أنه يجب الاستفادة من هذه الخدمات للتواصل مع جماهير جديدة وإبراز صورتهم وزيادة أرباحهم؛ في حين يرى البعض الآخر أن الموسيقيين هم المغبونون ويكافحون من أجل الحصول على صفقة أفضل.

ولا شك في أن الثورة الرقمية قد غيرت عالم الموسيقى تغييراً جذرياً وعادت عليه بفوائد جمة من حيث جودة الموسيقى وتنوعها وسبل وأوقات الاستماع إليها. ولعل السؤال الآن هو عن صورة هذا العالم بعد خمس سنوات وعن الترتيبات الواجب اتخاذها لضمان تمتعنا بسلسبيل غير منقطع من الموسيقى التي نعشقها.