منتجات الملكية الفكرية والرياضة: عالمان لا ينفصمان
بقلم جوكين شيفر، المستشار القانوني للاتحاد العالمي والاتحاد الأوروبي لصناعة السلع الرياضية (WFSGI)
على غرار العديد من الصناعات، تعتمد صناعة السلع الرياضية على حقوق الملكية الفكرية كأداة أساسية. فبدون حقوق الملكية الفكرية، لن تتمكن صناعة السلع الرياضية من توليد عائد على استثماراتها في الابتكار وتطوير العلامات التجارية. وإن حقوق الملكية الفكرية ليست متصلة بمالكي العلامات التجارية والشركات المصنعة داخل القطاع فحسب، وإنما ترتبط أيضاً مباشرةً بالرياضيين والأندية الرياضية ومنظمي الأحداث والمستهلكين.
بدون حقوق الملكية الفكرية، لن تتمكن صناعة السلع الرياضية من توليد عائد على استثماراتها في الابتكار وتطوير العلامات التجارية
أصحاب العلامات التجارية وشركات التصنيع
تنتمي أفضل العلامات التجارية الرياضية العالمية إلى "نخبة" أصول الملكية الفكرية. ووفقاً لترتيب أفضل العلامات التجارية لعام 2018 الذي يصدره مكتب Interbrand الاستشاري، احتلت Nike – أكثر العلامات التجارية الرياضية قيمة – المرتبة السابعة عشرة بعلامة تجارية قيمتها30.120 مليار دولار أمريكي. واحتلت Adidas – وهي ثاني أكبر العلامات التجارية الرياضية قيمة – المرتبة الخمسين بعلامة تجارية قيمتها 10.772 مليار دولار. فصناعة السلع الرياضية هي بلا شك قطاع تجاري كبير. ويفترض الكثيرون أن المعدات الرياضية التي يستخدمها الرياضيون المتنافسون في الألعاب الرياضية بدءاً من ركوب الدراجات وحتى التزلج وكل ما بينهما تنتجه شركات كبيرة، غير أن قطاع السلع الرياضية يتكون إلى حد كبير من شركات تجارية صغيرة ومتوسطة الحجم.
وتتبوأ العلامات التجارية الرياضية مكانة بارزة للغاية في وسائل الإعلام العالمية. ويتطلب الحفاظ على قيمة هذه العلامات التجارية وطابعها الحصري مجموعة من حقوق الملكية الفكرية تُدار بعناية وبراعة. وتدعم الخدمات، التي تقدمها المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) للتسجيل الدولي للبراءات والعلامات التجارية والتصاميم، المنشآت الرياضية المشروعة الكبيرة والصغيرة وتمكّنها من حماية أصول الملكية الفكرية الخاصة بها في الأسواق العالمية.
وتؤدي حقوق الملكية الفكرية أيضاً دوراً رئيسياً في تعزيز الابتكار واستحداث تكنولوجيات جديدة غير مسبوقة في قطاع السلع الرياضية. فعلى سبيل المثال، تمنح البراءات مصنعي السلع الرياضية الثقة بأنهم سيحصلون على عائد من الاستثمار في البحث والتطوير، مما يوفر حافزاً لمواصلة الاستثمار في الابتكار للتوصل إلى معدات رياضية أفضل وأكثر أماناً. ويدعم التقدم في التقنيات الرياضية الناجم عن ذلك الرياضيين في سعيهم إلى تحطيم الأرقام القياسية والنهوض بالشعار الأولمبي "Citius, Altius, Fortius" (أسرع وأعلى وأقوى).
فلنأخذ على سبيل المثال التطور الملحوظ للدراجات على مدى السنوات الأربعين الماضية. ففي الثمانينيات، كانت دراجة السباق القياسية تتألف من حوالي 350 قطعة فردية. وأما أحدث جيل من الدراجات المتقدمة والدراجات الإلكترونية، مثل تلك التي طورتها شركة SCOTT، فتتكون من أكثر من 1500 قطعة.
ويتطلب تطوير هذه الدراجات المتطورة والمعقدة ذات التقنية العالية استثماراً هائلاً من الوقت والطاقة والموارد. ويمكن للشركات حماية هذا الاستثمار من خلال طبقة محمية من حقوق الملكية الفكرية تشمل البراءات وحقوق التصميم والعلامات التجارية. وتهيئ هذه الحقوق التي لا غنى عنها ظروفاً مؤاتية للشركات لمواصلة تطوير منتجات عالية الأداء وقابلة للتسويق ومريحة وآمنة الاستخدام.
ومن الأمثلة الأخرى على كيفية إسهام الاستخدام الاستراتيجي لحقوق الملكية الفكرية في تحفيز الاكتشافات المتعلقة بالمعدات الرياضية، هو حذاء الركض الرائد الجديد لشركة ASICS العلامة التجارية الرياضية اليابانية. إذ صممت شركة ASICS حذاءMeta-ride - وهو حذاء الركض الأكثر تطوراً من الناحية التقنية - لجعل الركض لمسافات أطول أسهل ومريحاً أكثر. وزوِّد الحذاء بمجموعة من التقنيات المبتكرة المحمية بموجب حقوق الملكية الفكرية.
وفي بيان صحفي صدر في 27 فبراير 2019 لتقديم حذاء الركض الجديد، ذكرت ASICS ما يلي:
"تتميز METARIDE™ بما لا يقل عن ست تقنيات خاصة وقمة دائرية جديدة:
- FLYTEFOAM™: نعل أوسط خفيف ومتين للتوسيد والاستجابة؛
- FLYTEFOAM™: نعل أوسط خفيف ومتين للتوسيد والاستجابة؛
- FLYTEFOAM™ Propel: اسفنج أوسط لتعزيز الاستجابة في مقدمة القدم؛
- تقنيةRearfoot GEL™: نظام توسيد لتخفيف الصدمات أثناء ارتطام الكعب بالأرض؛
- تقنية GUIDESOLE™: نعل جديد منحني بسلاسة مع مقدمة صلبة لتقليل انثناء الكاحل؛
- تقنية 3D GUIDANCE LINE™: تطور تقنية GUIDANCE LINE™ لتغيير مركز الكتلة ومساعدة الرجل على التأرجح؛
- نعل ASICS للتشبث بالأرض: نعل خارجي جديد للسحب والمتانة؛
- تقنيةMETACLUTCH™: كعب خارجي محسن للتوافق الفائق مع القدم والمرونة؛
- KNIT UPPER: جزء علوي من مادة متماسكة للدعم والتهوية وهيكل ثقوب جديد لتحسين ضغط وتماسك رباط الحذاء."
الرياضيون يستفيدون من حقوق الملكية الفكرية
يختلف الرياضيون شكلاً وحجماً وأداءً. إذ لا يشمل مصطلح "رياضي" اللاعبين العالميين فحسب وإنما يشمل أيضاً الجميع، صغاراً وكباراً، الذين يلعبون الرياضة على مستوى الهواة أو لأغراض الترفيه. وفي الواقع يمتد هذا المصطلح ليشمل أي شخص قادر على مقاومة إغراء أن يصبح مستهلكاً سلبياً للرياضة عبر التلفاز أو الأجهزة الرقمية الأخرى.
وتهم حقوق الملكية الفكرية جميع الرياضيين لأسباب مختلفة. أولاً، تعني التقنيات المبتكرة المحمية بموجب براءة أن الرياضيين على مستوى المحترفين والهواة يمكنهم الوصول إلى معدات جديدة وأفضل تتيح لهم الركض بشكل أسرع أو ضرب الكرة بقوة أكبر وبمزيد من التحكم أثناء لعب كرة القدم أو التنس أو كرة السلة أو الرغبي أو أي لعبة كرة أخرى.
ثانياً، تساعد حقوق العلامات التجارية التي تدعم السلع الرياضية ذات العلامات التجارية الرياضيين على تحديد أفضل المعدات (على أساس سمعة مالك العلامة التجارية وشهرته) في السوق المزدحمة. وينطبق الأمر نفسه على اللاعبين الهواة، الذين يتأثر اختيارهم للعتاد الرياضي عادةً بتصورهم للعلامات التجارية الرياضية المختلفة ورغبتهم في الانتماء إلى هواية أو مجموعة معيَّنة.
ثالثاً، تتيح حقوق الملكية الفكرية للرياضيين المحترفين من الدرجة الأولى فرصة للاستفادة مادياً من تدفقات الإيرادات الجديدة المرتبطة بصفقات الرعاية والتسويق والترخيص. إذ تدفع الشركات مبالغ كبيرة للرياضيين الناجحين لعرض المنتجات التي تحمل علامتها التجارية. ويساعد ربط رياضي ناجح بهذه المنتجات على زيادة المبيعات عن طريق تغيير تصورات المستهلكين وإبراز مكانة المنتج في السوق المزدحمة.
منظمو الأحداث الرياضية والنوادي الرياضية
بدون السلع الرياضية المبتكرة المحمية بموجب الملكية الفكرية، فإن منظمي الأحداث الرياضية العليا، مثل الألعاب الأولمبية وكأس العالم FIFA وبطولات العالم الأخرى، سوف يجدون صعوبة أكبر في جذب الرعاية أو المشاهدين من جميع أنحاء العالم. وبدون الأداء غير المسبوق الذي تدعمه هذه التقنيات، ستكون الأحداث أقل إثارة مما سيجعل من الصعب جذب شركاء تجاريين وتمويل تنظيم هذه الأحداث.
وتستطيع أندية كرة القدم الكبرى استقطاب إيرادات كبيرة من مصادر الإيرادات التلفزيونية ومن خلال تطوير جانبَي الترخيص والتسويق من أعمالها. والأندية التي تتطلع إلى المستقبل تستثمر بحكمة الأموال التي تدرها من الاستغلال التجاري لحقوق الملكية الفكرية في المواهب الشابة الواعدة لحماية مستقبل النادي.
المستهلكون
يرجِّح المستهلكون علامة تجارية رياضية (مدعومة بحقوق العلامات التجارية) على غيرها لعدة أسباب منها ما يلي: قد يثق المستهلكون في سمعة وجودة منتج معين أو قد يعتبرونه رمزاً لحالتهم الاجتماعية. أو ربما يشعرون ببساطة براحة أكبر وأمان عند ارتداء هذا المنتج أو استخدامه. وأياً كان السبب، فباستثناء العلامة التجارية، من غير المرجح أن يفكر المستهلكون في حقوق الملكية الفكرية مثل البراءات أو حقوق التصميم الصناعي المرتبطة بهذا المنتج عند شرائه. إذ إن قلة قليلة على دراية بالعديد من العلاقات التجارية المعقدة التي تدعمها حقوق الملكية الفكرية والتي تمكن المستهلكين من الاستفادة من أحدث وأفضل المعدات الرياضية. فسوف يسعدون بأحذيتهم المتصلة المتطورة لكنهم لن يكونوا على دراية تامة بأن المستشعرات الموجودة في هذه الأحذية من تطوير شركة لتكنولوجيا المعلومات ترخِّص برنامجها الخاص لعلامات تجارية رياضية لأغراض محددة من الاستخدام.
وعلى الرغم من هذا الافتقار العام للوعي بكل ما يتعلق بإنتاج الجيل القادم من السلع الرياضية، فهناك شيء مؤكد وهو أن في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، لا يمكن لمصنعي المعدات الرياضية تجاهل الطريقة التي يصنف بها المستهلكون منتجاتهم على مواقع مثل Amazon أو Google أو غيرهما. ويمكن أن يكون لملاحظات المستهلكين تأثير كبير ومباشر على قيمة العلامة التجارية الرياضية. وهذا ما يفسر إعطاء مالكي العلامات التجارية عامةً الأولوية لمراقبة تصنيفات المستهلكين والتواصل بنشاط معهم والسعي للتفاعل معهم من خلال المدونات وقنوات التواصل الاجتماعي الأخرى.
صناعة السلع الرياضية: جبهة موحدة لحماية حقوق الملكية الفكرية
حقوق الملكية الفكرية هي أصول تجارية قيمة للغاية ويواجه أصحاب الحقوق في قطاع السلع الرياضية العديد من التحديات الصعبة في حمايتها وإنفاذها.
ويعدّ الحصول على حقوق الملكية الفكرية في الأسواق الرئيسية خطوة أولى مهمة في حماية هذه الأصول القيمة. ويمكن لنظام مدريد للتسجيل الدولي للعلامات التجارية الذي تديره الويبو أن يساعد العلامات التجارية الرياضية على القيام بذلك. إذ يوفر نظام مدريد وسيلة بسيطة وفعالة من حيث التكلفة للحصول على الحماية في ما يصل إلى 118 دولة وإقليماً. ولكن الحصول على حقوق الملكية الفكرية ليس غاية في حد ذاته، بل هو الخطوة الأولى لزيادة القيمة التجارية للمنتج الرياضي بنجاح.
ويدرك الاتحاد العالمي لصناعة السلع الرياضية (WFSGI) الحاجة إلى تزويد الشركات الأعضاء فيه - والتي تضم أيضاً العديد من مصنعي وموردي الدراجات ومكونات الدراجات - بخدمات ملموسة وعملية لمساعدتهم على مكافحة أي انتهاك لحقوق الملكية الفكرية بشكل فعال. وفي مواجهة هذا التحدي بالذات، تتحد العلامات التجارية التي تتنافس عادةً بشدة في المجالات الأخرى. ويولد عملها الجماعي وفورات كبيرة في التكاليف ويمكّنها من التصدي لانتهاكات الملكية الفكرية على نطاق واسع وبشكل أكثر فعالية.
إن أعضاء الاتحاد يتمتعون بقدرة كبيرة على العمل معاً لحماية أصول أعمالهم ضد منتهكي حقوق الملكية الفكرية.
ويدعم الاتحاد أعضاءه في هذا المسعى من خلال منحهم إمكانية الوصول إلى خدمة توقيف تتعقب العروض غير القانونية على العديد من الوسائط الاجتماعية وغيرها من المنصات الرقمية. وتقدَّم هذه الخدمة الناجحة للغاية عن طريق الشريك الحصري للاتحاد واسمه Convey. وقد جذبت الخدمة، منذ إطلاقها في عام 2014، حوالي 30 مشتركاً من الاتحاد. وهي تغطي أكثر من 200 سوق شبكية و20 شبكة اجتماعية وبوابات محتوى للمستخدمين وتطبيقات مراسلة فورية ومواقع إلكترونية وأسماء حقول. وأسفرت الخدمة منذ إطلاقها عن إغلاق أكثر من 550 ألف عرض مزيف عبر الإنترنت؛ وحجب حوالي 1.2 مليون معاملة كل عام بقيمة تجارية تقدر بمبلغ 40 مليون دولار؛ وإغلاق 110 آلاف حساب ومتجر على الإنترنت تديره جهات تنتهك حقوق الملكية الفكرية، بالإضافة إلى حوالي 11 ألف متجر لمنتجات مزيفة تستضيفها مواقع شبكية وأسماء حقول مملوكة ملكية خاصة. وتوضح هذه الأرقام كلاً من حجم التحدي الذي يواجه أصحاب الحقوق وفعالية خدمة التعقب Convey التي يدعمها الاتحاد.
وقد وضعت اللجنة القانونية التابعة للاتحاد أيضاً قاعدة بيانات للمحققين الموثوق بهم تتيح للمهنيين القانونيين الداخليين، مثل محامي الملكية الفكرية ومديري حماية العلامات التجارية، الوصول إلى بيانات الاتصال بوكالات/وكلاء تحقيق موثوق بهم في جميع أنحاء العالم يوصي أعضاء الاتحاد بالاستعانة بهم. ويهدف هذا المورد إلى زرع الثقة بين أعضاء الاتحاد وتزويدهم بأداة فعالة وقابلة للتطوير وفعالة من حيث التكلفة للعمليات المشتركة لإنفاذ حقوق الملكية الفكرية في الميدان في المستقبل. وفي الآونة الأخيرة، قررت اللجنة القانونية للاتحاد تشكيل فريق عمل لمكافحة إنتاج وبيع السلع المقلدة في جنوب شرق آسيا والضغط على سلطات إنفاذ القانون المحلية والمؤسسات الحكومية لتحسين إنفاذ حقوق الملكية الفكرية من أجل التصدي لارتفاع مستويات التقليد في عدد متزايد من البلدان في المنطقة.
وعندما يتعلق الأمر بحماية المصالح المرتبطة بالملكية الفكرية في صناعة السلع الرياضية، فإن أعضاء الاتحاد يتمتعون بقدرة كبيرة على العمل معاً لحماية أصول أعمالهم ضد منتهكي حقوق الملكية الفكرية. وما انفكت الويبو تعمل بصفة شريك مهم للغاية يحظى بتقدير أعضاء الاتحاد ويساعدهم في إزكاء الاحترام لحقوق الملكية الفكرية في شتى أنحاء العالم. وتعدّ حملة هذا العام لليوم العالمي للملكية الفكرية "الذهبية لنا: الملكية الفكرية والرياضة" فرصة متميزة لتوعية الجمهور بالدور المهم للغاية الذي تؤديه حقوق الملكية الفكرية في تمكين صناعة السلع الرياضية العالمية من الاستمرار في التطور والازدهار لصالح الجميع.