الويبو تحتفل باليوم الدولي للقاضيات: ست قاضيات، من البرازيل وجمهورية كازاخستان وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية ومحكمة البراءات الموحدة وفيتنام، يتحدثن عن مشوارهن الباعث على الأمل في سلك القضاء.

8 مارس 2024

في 10 مارس وبمناسبة اليوم الدولي للقاضيات، تكرّم الويبو المسيرات المهنية المرموقة للقاضيات اللواتي يقدمن قدوة يحتذى بها ويساهمن بنشاط في بناء نظام إيكولوجي متوازن وفعال للملكية الفكرية في جميع أنحاء العالم.

تلتزم الويبو بتحقيق المساواة بين الجنسين والتنوع في شتى أصقاع عالم الملكية الفكرية. ولا يقتصر هذا العمل على تعزيز الاعتراف بالمخترعات والمبدعات وحمايتهن فحسب، بل يشمل أيضاً تعزيز الهياكل الشاملة التي تسمح للمجتمعات بالاستفادة من مساهمات النساء على جميع مستويات النظام الإيكولوجي للملكية الفكرية .

وتحظى الويبو، من خلال معهد الويبو القضائي، بشرف العمل مع قاضيات مميزات يساهمن بنشاط في البت في قضايا الملكية الفكرية داخل ولاياتهن القضائية وخارجها. واحتفالاً بهذا اليوم، باتت الويبو منذ 2022 تعرض مسيراتهن المهنية المرموقة. واليوم، يشرفنا أن نشارككم ست قصص من قصصهن الملهمة.

القاضية كاثي آن بينسيفينجو
(الصورة: كاثي آن بينسيفينجو)

كاثي آن بينسيفينجو

قاضية، محكمة المقاطعة الأمريكية في شمال كاليفورنيا، سان دييغو، الولايات المتحدة الأمريكية

لقد ألهمتني الحركة النسائية في السبعينيات لامتهان العمل في مجال الحقوق. وكان والدي ناشطاً سياسياً، وقد شجعني على الانخراط في خدمة المرافق عامة. وكنت أبتغي الوصول إلى مناصب القضاة باعتبار ذلك وسيلة لخدمة المجتمع والمساهمة في المجال القانوني.

أصعب ما في مهنة القضاة - وأكثر شيء يُشعِر بالرضى - هو التنوع. وفي إطار عملي كقاضية في المحكمة المحلية لمقاطعة في الولايات المتحدة، يتضمن جدول أعمالي طائفة متنوعة من المسائل المدنية والجنائية. وهذا التنوّع في القضايا التي أتناولها يمثّل تحدياً ومحفزاً فكرياً في آن واحد، إذ يتطلّب مني في بعض الأحيان تغيير أسلوبي الفكري أو حتى العاطفي أثناء العمل على القضايا التي تُطرح أمامي. ويشمل عملي مجموعة واسعة من القضايا القانونية وسبل تأثيرها على حياة الأطراف المعنية، بدءًا من نزاعات الملكية الفكرية المعقدة إلى دعاوى العقود والتوظيف، والمؤامرات الإجرامية وقضايا استيراد المخدرات. وثمة متطلبات خاصة لكل جانب من جوانب العمل، مثل الحكم على الناس بالسجن، ومراجعة النزاعات المرتبطة بالبراءات وذات التقنية العالية، وترأس المحاكمات أمام هيئة المحلفين.

عند معالجة قضايا الملكية الفكرية، أعتمد كثيراً على المحامين. فأنا أعرف القانون والمعايير القانونية، لكنهم يدركون مسائل التكنولوجيا. ومن الجوانب البالغة الأهمية في دورهم كحامين هو أن يعلمونني الأمور المهمة لفهم القضية وتقييمها. ولطالما أوضحت للمحامين أنه مع أنني لست شخصاً "يتمتع بقدر عادي من المهارة في المجال"، فيجب عليهم أن يعتبروني كشخص "يبدي تقديراً مؤقتاً للمجال" فيسعون إلى تعليمي بمستوى أستطيع أن أفهمه وأترجمه إلى قرار صائب.

التنوع في صفوف القضاة يضفي قيمة على النظام القضائي ودعم النساء الطامحات إلى مناصب قضائية يفيد المجتمع ككل. وعلى الرغم من ازدياد عددنا في هيئة القضاة الفيدرالية، لا يزال عدد قاضيات المحاكمة في الهيئة الفيدرالية متدنياً. ولكي تصلي إلى مستوى الخبرة القانونية الذي يؤهلك لتصبحي قاضية في المحكمة المحلية لمقاطعة ما، يجب تكريس سنوات من الالتزام في المجال القانوني. وثمة نساء عديدات لا يزلن يواجهن عقبة هائلة فيما يتعلّق بإمكانيات التقدّم والتضحية بالالتزامات الأخرى، ولا سيما الحياة الأسرية.

أفضل نصيحة يمكنني تقديمها للنساء اللواتي يطمحن ليصبحن قاضيات هو أن يحققن أفضل أداء ممكن كمحاميات. فكنّ على دراية معمّقة بالقانون والحقائق. وكنّ واثقات بأنفسكن. واصنعن اسماً إيجابياً لأنفسكن في الأوساط القانونية كقائدات في المنظمات التي ترمي إلى تحقيق المساواة في الوصول إلى العدالة وتعزيز الأخلاق في مجال القانون.

القاضية دنه نغوك تو هيونغ
(الصورة: ميك نغوين)

دنه نغوك تو هيونغ

قاضية، محكمة الشعب العليا، مدينة هو شي منه، فييت نام

لقد انجذبت إلى القضاء لأنني منجذبة إلى العدالة. فمنذ صغري، أعجبت بالأفلام التي يدافع فيها الحكام عن العدالة للجميع. ولقد دعمتني عائلتي بكل إخلاص لبناء مسيرة مهنية في مجال القضاء. وشكّل ذلك حافزاً قوياً بالنسبة لي، لأن شغفي أن أكون قاضية.

وفي بلدي، ليصبح الشخص قاضياً يجب استيفاء العديد من المعايير. فيُنظر بعناية إلى الكفاءات والمعارف ومهارات العمل الشخصية التي يتمتع بها. وتُعدّ عملية اختيار القاضي المناسب للمجتمع والناس عملية تنافسية للغاية. ولقد كرست وقتي وجهدي لخدمة العديد من القضاة وغيرهم من قادة المحاكم. وخلال مسيرتي، أدركت أيضاً واجباتي الأخرى كموظفة حكومية.

مرشدتي الأولى كانت القاضية الأولى التي عملت معها. وكانت مهتمة بقضايا الملكية الفكرية عندما كانت تعمل في قسم الشؤون الاقتصادية في محكمة الشعب بمدينة هوشي منه، وقد كُلّفت بالبتّ في مجموعة متنوعة من قضايا الملكية الفكرية. وشاركت أيضاً في منتدى للملكية الفكرية في اليابان ودورة دراسية في جمهورية كوريا. ومن ثم شاركتني تجربتها في مجال تسوية النزاعات.

بالإضافة إلى عملي كقاضية، أشغل مناصب قيادية في مجموعات مختلفة. فأنا رئيسة مجلس إدارة المبنى الذي أسكن فيه، ونائبة رئيس جمعية شعرية، ورئيسة مجموعة نسائية. وقد سمحت لي هذه الأدوار جميعها باكتساب خبرة مهنية في القيادة والصبر، وتعلّم أساليب لحل النزاعات المحتملة.

قد تضرر بعض النساء بشكل عام والقاضيات بشكل خاص بفعل الأحكام المسبقة الصادرة عن العائلة والأصدقاء والجمهور. لكنني محظوظة لأن عائلتي تدعمني بانفتاح، وتقدّر كل كفاءاتي. ولقد أحرز قانون المساواة بين الجنسين تقدماً في فيتنام مؤخراً. وأعتقد أن القضاة والقاضيات في بلدي لديهم فرص مماثلة لدخول القضاء والتعبير عن اهتمامهم بتولّي قضايا الملكية الفكرية.

أنا أشجع النساء الطامحات ليصبحن قاضيات على المشاركة في المنتديات وورش العمل والمسابقات المهنية لبناء معرفتهم يومياً. ويجب على كل من يحلم بأن يصبح قاضياً أن يتعلم المهارات العملية من القضاة الآخرين.

إيرينا كالاشنيكوفا
(الصورة: إيرينا كالاشنيكوفا

إيرينا كالاشنيكوفا

قاضية، المحكمة العليا في جمهورية كازاخستان، نور سلطان، كازاخستان

بدأت مسيرتي القضائية عام 1997بعد ثلاث سنوات من تخرجي من الجامعة، وقد عملت سابقاً كمستشارة قانونية ومحامية. وفي تلك السنوات، وبعد وقت قصير من نيل جمهورية كازاخستان استقلالها، كانت هناك حواجز أقلّ أمام الأشخاص الراغبين بأن يصبحوا قضاة. ولقد نجحت في اجتياز مرحلة الاختيار وتم تعييني قاضية في محكمة محلية صغيرة يُنظر فيها في القضايا المدنية والجنائية والإدارية. وفي ذلك الوقت، لم تكن هناك محاكم متخصصة أو تخصص منفصل للقضاة. فكان كل القضاة ينظرون في جميع فئات القضايا. وقد تخصصت في مجال الملكية الفكرية في عام 2014، عندما انضممت إلى المحكمة العليا لجمهورية كازاخستان.

بفضل مُثلي العليا وموجهاتيتعلمت أن أوفّق بين عملي كقاضية ورعاية أسرتي وأحبائي. فلقد كنت محظوظة جداً لأنني التقيت العديد من القاضيات الرائعات اللواتي شاركنني خبرتهن ومعرفتهن وقدّمن لي الدعم المعنوي. وحتى يومنا هذا، لا تزال ذكرى زميلاتي الكبيرات عزيزة على قلبي، وأنا ممتنة جدًا لهن على تعاملهن معي. فقد كنّ قاضيات ومحترفات في مجالهن، وكرّسن أنفسهن كلياً لخدمة المهنة، ولم يمكثن غير مباليات بمشاكل الأشخاص الذين يتقدمون إلى المحكمة لحماية حقوقهم، وساهمن بشكل كبير في إرساء أسس النظام القضائي في جمهورية كازاخستان.

الشيء الأكثر متعة في كونك قاضية هو الشعور بإعادة العدالة إلى مجراها عبر حل النزاعات بصورة صحيحة وحين يكون الطرفان المتنازعان راضين عن حكم المحكمة. وفي هذه الحالة، يدرك الطرف الخاسر أن المحكمة حددت جميع ملابسات النزاع، وطبّقت أحكام القانون بشكل صحيح، ولزمت موقفاً محايداً.

ونزاعات الملكية الفكرية تثير اهتمامي أكثر من سائر فئات القضايا. فحلّها ليس بالأمر السهل، وهذا ما يجعلها مثيرة للاهتمام. وعند النظر في هذه القضايا، من الضروري أن يكون لديك معرفة عميقة ليس بالقانون فحسب، بل بالجوانب الأخرى أيضاً، وذلك يشمل بعض المعارف التقنية. ومن الضروري أيضاً مراعاة معايير القانون الدولي في مجال حماية الملكية الفكرية، والتي تنطبق بشكل مباشر. وتظهر الصعوبات في حل هذه القضايا عندما يستدعي الأمر مشاركة الخبراء في مسائل معينة وقد يتوصلون إلى استنتاجات تستبعد بعضها الأخرى.

وإن المساهمات التي تقدمها الويبو لتطوير التحكيم في مجال الملكية الفكرية في جمهورية كازاخستان لا تقدر بثمن. ومن خلال المشاركة في منتدى الويبو السنوي لقضاة الملكية الفكرية والتواصل مع الزملاء من البلدان الأخرى نحصل على مساعدة كبيرة من الناحية العملية من أجل تطوير الممارسة القضائية المرتبطة بقضايا الملكية الفكرية، بما يتوافق مع الخبرة الدولية.

من المهم تحقيق الذات ليس فقط في مهنة القضاء، بل أيضاً في جوانب الحياة الأخرى - الأسرة، والأطفال، والهوايات، وما إلى ذلك. وفي بعض الأحيان يصعب على القاضيات التوفيق بين كل هذه العناصر. وفي رأيي، إن أصعب ما في عمل القاضيات هو تفادي الإرهاق العاطفي، والتعامل مع التغييرات المهنية، والحفاظ على نظرة متعاطفة مع مشاكل الأشخاص الذين يتقدمون بطلبات إلى المحكمة لحماية حقوقهم، والتعامل مع التحديات النفسية والعاطفية المرتبطة بذلك، وهذا كله مع الحرص على إحقاق الحق.

عند اختيار المسار المهني، أنصح النساء باتباع نهج متوازن، واستباق الصعوبات والاستعداد لها، ولاحتمال مواجهة حمل عاطفي زائد، وبعض القيود المرتبطة بمهنة القضاء. مهنة القضاة مهنة رائعة ومثيرة للاهتمام وتتيح لك اكتساب معارف جديدة ومهارات جديدة كل يوم. وعلى الرغم من أن مهنة القضاة تتطلب الكثير من الطاقة العاطفية والعمل الجاد، إلا أنها ترمي إلى تحقيق أهداف مهمة كإعادة العدالة إلى مجراها وتطوير القانون وتحسين العلاقات في المجتمع. فاجرئي على اختيار مهنة تمكّنك من خدمة المجتمع والمساهمة في تطوّر القانون وتناغم العلاقات الإنسانية!

القاضية راين كالدين
(الصورة: ريان كالدن)

ريان كالدن

رئيسة القضاة، اللجنة الثانية في محكمة الاستئناف، محكمة البراءات الموحدة لوكسمبورغ، رئيسة مجلس القضاة الاستشاري للويبو

منذ السنوات الأولى من دراستيكنت اعتقد أن الموازنة بين الحجج المقدمة وعملية اتخاذ القرار، التي تمثل جزءاً لا يتجزأ من عمل القضاة، هي شيء صعب وجذاب للغاية. ومع أنني لطالما أردت أن أصبح قاضية في نهاية المطاف، بدأت مسيرتي المهنية كمحامية في مكتب محاماة خاص. وأعطاني ذلك ركيزة متينة وقيّمة كي أصبح قاضية، فأصبحت على دراية بالمواقف والمهام والصعوبات التي يواجهها المحامون الذين يمثلون أمامك. وبعد أكثر من 10 سنوات من العمل في القطاع الخاص، بدأت رحلتي كقاضية.

وعندما انضممت إلى السلك القضائي، كان جميع القضاة في دائرة الملكية الفكرية في محكمة لاهاي المحلية من الذكور. وأعتقد أن ذلك كان يعود بصورة جزئية إلى كون قضايا البراءات يُبتّ فيها في لاهاي حصراً. وفي محاكم المقاطعات الأخرى، كانت هناك بالتأكيد قاضيات يفصلن في قضايا العلامات التجارية والتصميمات وحقوق النشر. وكان هذا الانقسام يُشاهد أيضاً في صفوف المحامين - فنادراً ما كنا نرى محامية في مجال الملكية الفكرية تهتم بقضايا البراءات. وفي شركتي، كنت أنا الوحيدة لفترة طويلة. لكن الزمن تغير. والآن أصبحنا نرى توازناً ومساواة بين قضاة الملكية الفكرية الذكور والإناث، في المحكمة المحلية ومحكمة الاستئناف على حد سواء. وخلال العقود الماضية في هولندا زاد عدد الطالبات في الجامعات التقنية بشكل كبير على الرغم من أنهن ما زلن يشكلن أقلية واضحة. وأعتقد أن النساء أصبحن أكثر استقلالية وثقة. وفي المدارس، تشجَّع الفتيات أيضاً بشدة على الانخراط في المواد التقنية والتوجه نحو الدراسات التقنية في نهاية المطاف.

أكثر ما يعجبني في كوني قاضية هو الموازنة بين الحجج والمصالح، وحل اللغز الذي يطرحه الطرفان. وأحب المشاركة في لجان القضاة كثيراً. وقد تكون المناقشات حامية للغاية، لكنها تكون مثمرة دائماً. وأعتقد أن أفضل جزء من عملي هو جلسات الاستماع التي تجري فيها المناقشات مع الأطراف والخبراء. ومن الرائع أن تكوني مستقلة ومحايدة، دون وجود أي حزب أو أي مصلحة أخرى تمنعك من قبول جدال ما أو التفكير في اتجاه معين. فالنتيجة الصحيحة والعادلة هي وحدها المهمة.

وبالنسبة لي، إن القدرة على الفصل في قضايا براءات الاختراع هي بمثابة امتياز. ففي قضايا البراءات، قد يمثّل مستوى التقنية تحدياً، لكن هذا الجانب هو في حد ذاته ما يجذبني كثيراً إلى قضايا البراءات في نهاية المطاف. وهذه القضايا تكون دائماً مثيرة للاهتمام، إن لم يكن ذلك بسبب التحديات القانونية - التي لا يزال لدينا الكثير منها - فهي مثيرة للاهتمام على أي حال لأنها تنطوي دائماً على جانب تقني. وهذا المزيج هو ما يجعل كل حالة مختلفة ومشوقة.

الأهم من كل ذلك، أنه ينبغي على كل سيدة راغبة في أن تصبح قاضية ألا تتردد وأن تكون واثقة من نفسها. ولذلك أهمية خاصة بالنسبة للنساء اللواتي يردن أن يصبحن قاضيات في مجال البراءات. وليست هناك حاجة لأن تكوني مؤهلة للحصول على جائزة نوبل قبل أن تبدئي العمل على قضايا البراءات. كل ما يتطلبه الأمر هو الاطلاع على القضايا الفنية والاهتمام الحقيقي بالمسألة محل النزاع. وعلاوة على ذلك، إذا كنت تطمحين أن تصبحي قاضية، أنصحك أولاً بالعمل كمحامية، سواء في المكاتب الخاصة أو غير ذلك. وكوني جزءًا من المجتمع، وتعرّفي على ما يجري في الجانب الآخر من منصة القضاة، وما هي نقاط الاهتمام وقواعد اللعبة. وحين تصبحين قاضية، يصبح اكتساب تلك المعارف وفهمها أكثر صعوبة. وإن الاستقلالية والنزاهة قيمتان راقيتان للغاية، لكن في الوقت نفسه لا ينبغي للقضاة أن ينفصلوا عن الواقع.

القاضية ماهوبي موليميلا
(الصورة: ماتومو مولوسيوا

ماهوبي موليميلا

رئيسة محكمة الاستئناف العليا، بلومفونتين، جنوب أفريقيا

بالنظر إلى الوراء، أدرك أن الطريق الذي سلكته كي أصبح قاضية كانت متعرجاً للغاية. فلطالما أبهرني مجال القانون. وعلى الرغم من أني حلمت طيلة حياتي بأن أصبح محامية، فالواقع الذي واجهته بعد التخرج هو أنني لم أتمكن من العثور على وظيفة في أي من مكاتب المحاماة المحلية. وقررت الترشّح لوظيفة مدعي عام وحصلت على هذا التعيين بسرعة. وبعد سنوات قليلة، حققت حلمي فأصبحت أزاول مهنة المحاماة. وبعد ذلك، عملت في مجال القانون في إطار وظائف مختلفة، وعلى سبيل المثال كمحاضِرة في القانون، ومحكّمة، وعضو مجلس إدارة في العديد من الشركات. وقد ساعدتني هذه الخبرة الواسعة في بناء مكانة جيدة لنفسي، وبلغت مسيرتي ذروتها بتعييني قاضية بعد مرور 21 عاماً على دخولي مهنة المحاماة. والباقي، كما يقول المثل، نعرفه جيداً.

بعد تعييني الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة النطاق كأول رئيسة قضاة تتولى رئاسة قسم الولاية الحرة وثاني امرأة تتولي منصب رئيسة قضاة في البلاد، تلقيت العديد من رسائل الدعم من مختلف الهيئات المهنية ومن مختلف الأفراد. وكانت هذه تجربة تدعو إلى التواضع الجم وجعلتني أدرك مدى ثقة العديد من المنظمات والمجتمعات في القيادة النسائية. وأدركت أن العديد من النساء يعتمدن عليّ لرفع راية المرأة عالياً، ولم أجرؤ على خذلان أخواتي. ولقد بذلت قصارى جهدي لأكون من الأشخاص الذين يحدثون فرقاً في مختلف الوظائف القيادية التي أديتها في المحكمة. وأعتقد أن تعييني مؤخراً كرئيسة لمحكمة الاستئناف العليا هو بمثابة اعتراف بالعمل الجيد الذي قمت به. وهذا يشجعني على مواصلة العمل الدؤوب لتمكين النساء الأخريات في سعيهن لتحقيق العدالة للجميع، وهو في رأيي المبدأ الأسمى الذي من أجله وُضع القانون.

لا شك في أن أحد الجوانب التي تشعر بالمكافأة لكونك قاضية هو الفرصة التي تسمح لك بدعم العدالة، وحماية الحقوق الفردية والمساهمة في الحل العادل للنزاعات. بالإضافة إلى ذلك، فإن القدرة على تفسير القانون وتطبيقه بطريقة تعزز رفاهية المجتمع، هو أمر يُشعر بالرضى.

الجزء الأكثر تحدياً من كوني قاضية هو مقدار العزلة الاجتماعية الذي تأتي مع الوظيفة. فلا يجب على القاضي أن يكون عادلاً ونزيهاً فحسب، بل يجب أن يُنظر إليه على أنه كذلك. وكقضاة، نحن متقبلين لواقع أن العزل القضائي يشكّل جزءاً لا يتجزأ من الدور الذي علينا تأديته في المجتمع. وبفعل ذلك، يتوجب علينا التقليل بصورة واعية من الارتباطات السابقة التي قد تربطنا بالأفراد الآخرين الذين يزاولون المهن القضائية والذين كانوا زملاء لنا قبل ترقيتنا إلى مناصب القضاة. وبالتالي فإننا نعتمد إلى حد كبير على زملائنا الكبار للحصول على الدعم خلال الفترة الانتقالية. ولذلك فإن إرشاد القضاة المعينين حديثًا يشمل إلى حد كبير نقل التقنيات الأساسية لإدارة التوتر و"أساليب الصمود" التي نكتسبها من أسلافنا.

أعتقد أن التحيز على أساس الجنس يكون خفياً في أغلب الأحيان، وهو أكبر عائق بالنسبة لمعظم القاضيات في جميع أنحاء العالم. ونحن، كقاضيات، ملتزمات بالعدالة والمساواة. ونحن نعلم أن وجود عدد أكبر من القاضيات في هيئة القضاء يعكس تنوع مجتمعنا. ولا ينبغي أن يكون نضالنا كنساء يرمي إلى تعيين امرأة واحدة في منصب واحد من المناصب المهمة في السلطة القضائية، فتظل النساء الأخريات في مناصب أدنى في السلطة القضائية. وعلى مر السنين، شدّدت القاضيات على الحاجة إلى المشاركة المتساوية للنساء والرجال الأكفاء في جميع المهن القضائية، وذلك يؤدي بدوره إلى وجود مجموعة أكبر من النساء ذوات المهارات المطلوبة واللواتي يمكن تعيينهن قاضيات.

رسالتي للنساء الطامحات ليصبحن قاضيات أنه لا بديل عن العمل الدؤوب في مجال القضاء. فعلى أخواتنا الطموحات أن يستعددن "لتكريس الوقت اللازم" وقضاء ساعات طويلة في التحضير لجلسات المحكمة، وذلك يعني مع الأسف في بعض الأحيان إعطاء الأولوية للعمل على حساب الأمور الشخصية. ويجب أن تكون أخلاقيات العمل العالية جزءاً لا يتجزأ من شخصيتهن.

القاضية مارسيا ميرا نونيز دي باروس
(الصورة: مارسيا ميرا نونيز دي باروس)

مارسيا ميرا نونيز دي باروس

قاضية فيدرالية، المحكمة الفدرالية الثالثة عشرة في ريو دي جانيرو، البرازيل

شعرت بالإلهام لأصبح قاضية منذ اليوم الأول في كلية الحقوق. وفي لحظة حاسمة، نظر إليّ أستاذ المدخل إلى علوم القانون مباشرة وقال: "سوف تصبحين قاضية". ولم أنسَ هذا التنبؤ أبدًا، وعلى مدار سنوات الدراسة، ازدهرت البذرة التي زرعها وتحوّلت إلى قناعة واضحة. ولطالما كان دافعي هو رغبتي في إحداث تغيير في حياة الناس وإحساسي العميق بالعدالة والمساواة واحترام الاختلاف. وأصبحت هذه القيم هي الأساس الذي دفعني لأصبح قاضية.

وأنا لم أختر العمل في مجال الملكية الفكرية؛ بل للملكية الفكرية هي التي اختارتني. فبعد الحصول على شهادتي في القانون، عملت كمحللة قضائية في المحكمة الفيدرالية ومحامية في الخزينة الوطنية، بالإضافة إلى عملي كمحامية عامة في مكتب المدعي العام. وكانت تلك الفرضتان أساسيتين لتدريبي العملي في القانون، وتحضيري لتولي مسؤوليات وتحديات القضاء. وفي عام 2001، تم نقلي للعمل في محكمة فيدرالية متخصصة في شؤون الضمان الاجتماعي، وأصبحت مؤخراً متخصصة في الملكية الفكرية. وهذا الانتقال قد أثار اهتمامي بالمجال، ودفعني إلى دراسة الموضوع والانخراط فيه بعمق.

وكان طريقي إلى القضاء مليئاً بالتحديات الكبيرة. فكان أعظمها هو التوفيق بين التحضير المكثف للامتحانات العامة ومسؤولياتي المهنية والشخصية، وكان ذلك تحدياً كبيراً إذ كانت في حينها أماً لابنة صغيرة. بالإضافة إلى ذلك، إن الحواجز التي تعترضنا بسبب التمييز على أساس الجنس، والتي نجدها في السلطة القضائية كما في نواحي كثيرة في مجتمعنا، كانت ولا تزال تحدياً نعمل على مواجهته وتجاوزه. علاوة على ذلك، أن نصبح قاضيات لا يعني مجرد اجتياز الامتحان؛ فذلك ينطوي على عملية تعلّم وتكيّف مستمرة. وإذ إني مدركة لكل ما سبق، فقد كرّست نفسي خلال أكثر من عقد من الزمن لتقديم التدريب الأولي للقضاة الجدد ولتدريب المدربين المختارين للدورات القضائية، مع التركيز على المهارات العملية اللازمة لأداء الوظيفة القضائية وتحسينها باستمرار.

طوال رحلتي المهنية كانت مرشداتي قدوة يحتذى بهاوأنا أؤمن إيماناً راسخاً بأهمية التضامن النسائي للتغلب على التحديات الهيكلية التي تعترضنا في بناء عالم أكثر مساواة. وفي مجال الملكية الفكرية، ثمة سيدتان رائعتان لعبتا دوراً أساسياً في تطوري الشخصي: كلوديا شاماس، وهي أستاذة وباحثة قد أرشدتني خلال دراسة الماجستير، وفانيا ليندوسو، وهي محامية عامة متقاعدة ورئيسة نيابة سابقة للتقاضي في المعهد الوطني للملكية الصناعي. وقد أظهرت كلتاهما تفانياً لا يحصى لخدمة المصلحة العامة، وذلك أمر أساسي بالنسبة للمحادثات بشأن الملكية الفكرية في البرازيل. وهما مثال على النزاهة والتميّز المهني. والعلاقة المهنية والأكاديمية التي تجمعني بكلوديا وفانيا لم تساهم بتغذية فهمي للموضوع فحسب، بل ساهمت إلى حد كبير أيضاً في تحديد سبل تعاملي مع شؤون العمل ومسؤولياتي كقاضية.

والبت في قضايا الملكية الفكرية عملية دقيقة ومتشعبة. وهي تستدعي تحليلاً مفصلاً للتشريعات والسوابق القانونية بالإضافة إلى الجوانب التقنية والجوانب القانونية الخاصة بالقضية المطروحة. فعلى كل قرار من القرارات المتخذة أن يراعي التوازن بين مصالح الأطراف المعنية والمبادئ القانونية ذات الصلة. وعلاوة على ذلك، من الضروري أن نضع المصلحة العامة في الحسبان، وذلك يضطلع بأهمية جوهرية في مجال المكية الفكرية. ولذلك، بصفتي قاضية متخصصة في مجال الملكية الفكرية، أواجه تحدياً مستمراً يتمثل في حماية حقوق الملكية الفكرية والحرص في الوقت عينه على ألا تكون هذه الحماية مضرّة برفاه المجتمع وتطوّره التكنولوجي والاقتصادي. وذلك من أروع الفوارق وأكثرها تعقيداً بالنسبة للعمل في مجال الملكية الفكرية.

نصيحتي للنساء الراغبات بأن يصبحن قاضيات أن يؤمنّ بإمكاناتهن. بإمكانكن أن تصبحن كل ما تطمحن إليه. فكرّسن أنفسكن ولا تتوقفن عن التعلّم، وكنّ مستعدات للنمو على الصعيد الشخصي والمهني. ومن الأساسي أن تؤمنّ بقدرتكن على إحداث الفرق وأن تلجأن إلى المرشدات وشبكات الدعم التي قد ترشدكن وتدعمكن في الأوقات العصيبة. والنظام القضائي يحتاج إلى مزيد من الأصوات النسائية ليعكس تنوّع المجتمع وغناه. وأنتن قادرات على المساهمة بنشاط في تقليص القوالب النمطية المستندة إلى الجنس وأوجه عدم المساواة الهيكلية، والسعي لبناء مجتمع فيه حد أكبر من العدل والمساواة. ولا تنسين أن العوائق التي تعترضكم على طول الطريق لا تحدد مدى إمكانياتكم بل تبيّن قوتكم وقدرتكم على الصمود من أجل تجاوز العقبات.

لقراءة المزيد من القصص الملهمة: