Tue Oct 03 10:39:00 CEST 2023
في قلب غابات الأمازون البرازيلية المطيرة، يواجه مجتمع من صغار المزارعين على ضفاف نهر الأمازون وروافده مشكلة قد تهدد سبل عيشهم. إذ يعول هؤلاء المزارعون على إنتاج نبتة الغوارانا (البولينيا الكأسية)، التي تعتبر محصولا ثميناً يدر أرباحاً. ولكن، تلوح في الأفق مشكلة ملحة كبيرة: تأمين المياه لاستخدامها في عملية غسل محصول ثمار الغوارانا، وهي خطوة أساسية للحفاظ على جودة التوت الذي يعد مصدر قوت المزارعين. وقد تدخلت ويبو غرين للمساعدة في تلبية احتياجات المزارعين من المياه عن طريق الربط بينهم وبين موردي التكنولوجيا المناسبين. وتضمن هذه المبادرة توفير المياه لغسل المحاصيل وللاستخدام اليومي، ما يعزز جودة المحاصيل ويضمن سبل العيش.
يحتوي توت الغوارانا على كمية كبيرة من الكافيين، ورحلته من النبتة إلى السوق طويلة وصعبة. إذ يخضع التوت إلى مرحلة تخمير تدوم ثلاثة أيام بعد حصاده. وبعد ذلك، تُغسل الثمار لإعدادها لمراحل أخرى من المعالجة. ولكن في منطقة ماويس الأمازونية النائية، حيث تقع غالبية منتجي الغوارانا على نطاق صغير، فإن الوصول إلى المياه النظيفة بالكميات اللازمة لغسل التوت يعد ترفاً. ويعاني مزارعون كثر كذلك من عدم استقرار الوصول إلى الكهرباء اللازمة لضخ مياه الشرب من الآبار. ولذلك يضطرون لاستخدام مياه النهر، مما يعرض التوت لاحتمال التلوث الكيميائي والبيولوجي.
ويتزايد الطلب على بذور توت الغوارانا بسبب خصائصها المنشطة والطبية، ما يجعلها مناسبة للاستخدام في مجموعة متنوعة من المنتجات بما في ذلك مشروبات الطاقة ومستحضرات التجميل والأدوية. AMBEV هي أكبر شركة لإنتاج المشروبات في البرازيل، وهي مشتر رئيسي لـتوت الغوارانا في هذه المنطقة، إذ تصل قيمة مشترياتها إلى حوالي 10 مليون دولار أمريكي سنويا. ولكن، يمكن أن يؤثر تلوث المياه سلبا على نوعية البذور، مما يقلل من قيمتها السوقية ويقوض قدرة المزارعين على كسب دخل ثابت. كما يمكن لهذا التلوث أن يحدث تداعيات على مستوى سلاسل القيمة المحلية والعالمية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المخاطر الصحية المرتبطة بالتعامل مع المياه الملوثة قد تعرض هؤلاء المزارعين للأمراض، مما يزيد من تفاقم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجههم.
وتشير البحوث إلى أن الأنشطة المتصلة بالتعدين الحرفي للذهب، على سبيل المثال، قد أسفرت عن انبعاث كميات كبيرة من الزئبق في النظام الإيكولوجي عبر منطقة حوض النهر. ويعد استخدام الزئبق ممارسة اعتيادية في عمليات استخراج المعادن لأنه العنصر الذي يمكّن من ربط جزيئات الذهب ببعضها البعض. ولكن الزئبق أيضا مادة سامة جداً. ونظرا لقرب عمليات تعدين الذهب من الأنهار أو المسطحات المائية الأخرى، يمكن للزئبق المنبعث أن يلوث مياه النهر.
ومنذ إطلاق مشروع الويبو لتسريع وتيرة النمو في أمريكا اللاتينية في أكتوبر 2019 في الأرجنتين والبرازيل وشيلي بتمويل من الصناديق الاستئمانية اليابانية للملكية الصناعية العالمية، ركز المشروع على تحديد احتياجات الجهات المعنية وربط الباحثين عن الحلول بمقدميها. وفي البرازيل، وبالتعاون مع المعهد الوطني للملكية الصناعية، حدد المشروع العقبات التي يواجهها أكثر من ألف منتج محلي لتوت الغوارانا. وتعاونت شركة Agrosuisse، وهي شركة استشارية ميدانية، مع المزارعين وشركة AMBEV لتقييم هذه المسألة، وتوصلت إلى الحاجة إلى إيجاد حلول لضخ المياه تكون صديقة للبيئة وغير متصلة بالشبكة. وبالنظر إلى عدم إمكانية الحصول على إمدادات ثابتة من الكهرباء أثناء النهار، بدى أن الخيار الأمثل هو استخدام المضخات التي تعمل بالطاقة الشمسية. وتخدم هذه المضخات أغراضا متعددة منها: ري المحاصيل وإمداد المساكن بالمياه كما أنها مصدر كهرباء يمكن الاعتماد عليه. وبمجرد تحديد هذه الحاجة، شرع الفريق في السعي على الصعيد الوطني للعثور على موردين ذوي خدمات عالية الجودة بهدف تعزيز الإنتاجية الزراعية بطريقة ذكية بيئيا.
وأوصي كذلك بحفر آبار الأمازون التقليدية بمحاذاة ضفاف الأنهار كتدبير تكميلي في حزمة الحلول التكنولوجية، إذ من شأن هذا أن يقلل من التلوث بالمعادن الثقيلة والعوامل البيولوجية المسببة للأمراض عن طريق الترشيح وهطول الأمطار. وقال ريتشارد تشاريتي، المنسق التقني للمشروع في الويبو: "على الرغم من أن هذا الحل ليس مضمونا دائما، إلا أنه يعتبر ممارسة جيدة عند مقارنته باستخدام نهر عادي كمصدر للمعالجة المنزلية والغذائية".
وقع الاختيار على الشركتين البرازيليتين IRRIGASOL وAmbiente-SE. وقد عرضت كلتا الشركتين خبرتهما لتلبية احتياجات موردي الغوارانا. وأمام الشركتين تحديان رئيسيان يتعين التصدي لهما. أولهما صعوبة توفير الإصلاحات والصيانة للمضخات في الوقت المناسب بسبب مواقع مزارع الغوارانا النائية. وفي هذا الصدد، تتعاون ويبو غرين مع المزودين المحتملين لإيجاد حلول لتقديم دعم فعال في مجال تحديد مكامن الأخطاء وتصويبها. وأما ثانيهما فهو العقبات المالية المتعلقة بالاستثمار الأولي اللازم لإنشاء محطات المضخات الأساسية. ولحل ذلك، تبحث ويبو غرين في مختلف الحلول المالية التي من شأنها تمكين المزارعين من تركيب نظم المضخات. وبمجرد تجاوز هذه التحديات وتشغيل الأنظمة، ستتمكن مزارع التوت من الحصول على المياه لتلبية احتياجاتها الزراعية والمنزلية.
ولكن حل الضخ باستخدام الطاقة الشمسية الذي توصل إليه هذا المشروع لا يحل مشكلة تلوث المياه. فوفقا للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، سيتعين على القطاعات التي تعتمد اعتمادا كبيرا على المياه، مثل التعدين والزراعة، اعتماد استراتيجيات للتخفيف من الإجهاد المائي وتعزيز الكفاءة. وبالإضافة إلى ذلك، فمن المرجح أن يؤدي احتداد أزمة تغير المناخ إلى تفاقم مسألة تلوث المياه، مدفوعا بعوامل مثل الفيضانات وارتفاع درجات حرارة المياه وارتفاع مستوى سطح البحر. وعلى هذه الخلفية، تزداد أهمية دور الابتكار التكنولوجي في تلبية الاحتياجات المحددة لهذه المجتمعات النهرية عن طريق اقتراح الحلول المناسبة. وتوضح ويبو غرين، التي تضم قاعدة بياناتها التكنولوجية واسعة النطاق 000 129 تكنولوجيا (بما في ذلك 563 تكنولوجيا متعلقة خصيصاً بمسألة تلوث المياه) كيفية تسخير الابتكار للتصدي لتحديات العالم الحقيقية في ظل مناخ متغير.
وقال روزفلت مارل، مدير مزرعة AMBEV في ماويس، "لقد حقق لنا المشروع نتائج نفيسة ومنحنا الحل المناسب"، وأضاف مشيرا إلى أن "تطبيق هذا الحل مباشرة وعملياً من شأنه أن يساهم في جودة حياة الناس وتوت الغوارانا الثمين الذي ينتجونه".
تجسد قصة موردي الغوارانا في منطقة الأمازون البرازيلية القدرة على إيجاد حلول لمواجهة تحديات الاستدامة وتغير المناخ وسبل العيش والابتكار المترابطة ببعضها البعض. ومن خلال تحديد الحاجة ثم العثور على التكنولوجيات المناسبة لتلبيتها والتعاون مع أصحاب المصلحة فيها، فمن الممكن التوصل إلى حل مربح لكل الأطراف: البيئة وصغار المزارعين والصناعات. وسيكون التنفيذ الناجح لأنظمة الضخ الكهروضوئية الشمسية في منطقة ماويس شاهداً على قدرة التعاون والابتكار والممارسات المسؤولة على ضمان مستقبل مستدام.