جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى المشاركين في المؤتمر الدبلوماسي للمنظمة العالمية للملكية الفكرية المنعقد بمراكش
Tue Jun 18 15:38:00 CEST 2013
مراكش، 18 يونيو 2013
وفي ما يلي نص الرسالة الملكية السامية التي تلاها وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة السيد مصطفى الخلفي:
"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه أصحاب المعالي والسعادة,
حضرات السيدات والسادة,
إنه لمن دواعي الارتياح أن يحتضن المغرب هذا المؤتمر الدبلوماسي للمنظمة العالمية للملكي الفكرية وأن نرحب بكل ضيوفنا الكرام من الدول الأعضاء في هذه المنظمة العتيدة وبالمسؤولين فيها والممثلين للمنظمات الجهوية والدولية وبكل الفاعلين في المجتمع المدني والقطاع الخاص .
إننا لنهنئ أنفسنا ليس فقط باختياركم عقد هذا المؤتمر الدبلوماسي للمنظمة العالمية للملكية الفكرية لأول مرة في دولة من دول الجنوب عربية وإفريقية في نفس الوقت وبمدينة مراكش بالذات التي احتضنت العديد من المؤتمرات الدولية الهامة ولكن أيضا لكون هذا المؤتمر يكتسي أهمية بالغة لأنه ينطوي على هدف نبيل يتجلى في تبني معاهدة دولية تخص الاستثناءات التي تتوخى تسهيل ولوج الأشخاص ضعاف البصر وذوي الصعوبات في قراءة النصوص المطبوعة إلى المؤلفات المنشورة التي تخضع لحقوق المؤلف.
وبهذه المناسبة نود أن ننوه بالمجهودات الكبيرة التي يبذلها السيد فرانسيس غوري المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية وبالمبادرات القيمة التي يقوم بها من أجل تعزيز العمل الدولي في ميدان الملكية الفكرية تكريسا للتوازن و الفعالية في نظامها . كما نتوجه كذلك بالشكر الجزيل إلى كل من ساهم أو يساهم في إنصاف فئة عريضة من ذوي الإعاقة البصرية عبر العالم وكل الحكومات و الفعاليات من دول الشمال و الجنوب التي تلتئم اليوم بمراكش لتحقيق هذا الهدف النبيل.
أصحاب المعالي و السعادة,
حضرات السيدات و السادة,
لا يخفى عليكم أن ما يناهز أكثر من 300 مليونا من الأشخاص عبر العالم يعانون من قصور البصر و إن إحصائيات منظمة الصحة العالمية تؤكد أن 45 مليونا منهم مكفوفون علما بأن العدد مرشح للارتفاع إلى الضعف بحلول سنة 2020.
ومن هنا تظهر الأهمية التي يكتسيها مؤتمركم و التوقيت المناسب لاعتماد معاهدة مراكش بحيث نتطلع إلى أن تصدر عنه أول وثيقة دولية في تاريخ المنظمة العالمية للملكية الفكرية تنص على استثناء ات و قيود متفردة لحقوق المؤلف لا يجوز القياس عليها في إطار استثنائي خصوصي لمذهب حقوق المؤلف.
ومن ثم إننا ندعوكم إلى تقدير حجم الآمال المشروعة و الانتظارات المتوخاة من هذا المؤتمر من منظور حقوق الإنسان. و بالفعل فإن ضعاف البصر و المكفوفين ضحايا الإعاقة عن التمتع كليا بحقهم في الولوج إلى مختلف المؤلفات المحمية في شتى المواد و التخصصات سيظلون محرومين من حق المساواة في هذا المجال و أن صيانة كرامتهم الإنسانية تمر بالضرورة عبر تخطي الإعاقة و مساعدتهم على التنمية الشخصية.
و لا يخامرنا شك في أن اعتماد المعاهدة الدولية المنتظرة تعد إحدى العلامات الأكثر إشراقا في تاريخ المنظمة العالمية للملكية الفكرية ليس فقط لأنه سيمثل تشريعا جديدا متحضرا و إنما باعتبار عمقه الإنساني النبيل الذي يترجم بجلاء
ووضوح حرصنا الجماعي على الإعلاء من شأن القيم الأصيلة للتضامن و التآزر و التعاضد الإنساني.
و في هذا الصدد نود ان نشيد بالبعد الحقوقي و الأخلاقي الذي تندرج فيه هذه المبادرة التاريخية كما نستحضر المعاني السامية التي تؤسس لروح و جوهر هذه الاتفاقية و التي تقوم على حماية مبدإ عدم التمييز و تحقيق تكافؤ الفرص و الإدماج و ضمان المشاركة الكاملة و الفعلية لذوي الإعاقة ليس فقط في الحياة المجتمعية و إنما كفاعلين حيويين ينخرطون في جهود التنمية الاقتصادية لبلدانهم.
بالفعل فإن الإحصائيات و تقارير المنظمات الدولية تؤكد أن ضعف البصر مرتبط بشكل كبير بالظروف الاجتماعية و الإقتصادية السلبية و أن نسبة 90 في المائة من المكفوفين في العالم يوجدون في البلدان النامية و جلهم في القارة الإفريقية.
لذلك يجب استعمال كافة الوسائل حتى يتمكن ضعاف البصر و المكفوفون من إزاحة كل العوائق أمام اندماجهم في أوراش التنمية المستدامة و ذلك بالحصول على نفس الحقوق كباقي الأشخاص فيما يخص الولوج و التمتع بالعلم و المعرفة و المعلومة.
إن معاهدة الاستثناءات هاته لا تشكل فقط تعبيرا على التضامن الدولي بل تمثل أيضا آلية خلاقة في إطار التعاون شمال - جنوب- و جنوب- جنوب. كما أن من شأنها أن تجعل من هذه الفئة التي تعاني من مشاكل البصر مواطنين متساوين في الحقوق و فاعلين يساهمون بطريقة ملموسة في تحقيق التنمية الاقتصادية لبلدانهم متجاوزين إعاقتهم ومساهمين في تحقيق ذواتهم.
و إن من شأن التوافق على هذه المعاهدة بمراكش الذي نتطلع إليه أن يمكن من تدارك ما فات في تحديد أهداف الألفية للتنمية لسنة 2000 بخصوص المعاقين¡ وما تم استدراكه سنة 2010 عبر صدور إعلان وزاري بشأنه. وذلكم ما يجسد أهمية هذه المعاهدة ليس كآلية للمنظمة العالمية للملكية الفكرية فحسب وإنما أيضا كخطوة لإدراج حقوق المكفوفين وضعاف البصر في أجندة ما بعد 2015 لأهداف الألفية للتنمية.