Tue Oct 31 07:51:02 CET 2023
قد يضطلع الترخيص الطوعي المجمع بدور أساسي في السعي لإحداث تغير جذري في سبل الوصول إلى الأدوية الأساسية، وهي أدوية لا يزال يتعذر الوصول إليها في أنحاء كثيرة من العالم.[1] ويتميز مجمع براءات الأدوية بهدفه المتمثل في توفير حلول صحية ملموسة عن طريق التعاون مع أصحاب البراءات، حرصاً على إيصال العلاجات المنقذة للحياة إلى الجماهير. وفي مقال نُشر مؤخراً بإحدى المجلات، أوضح مجمع براءات الأدوية نهجه المبتكر والشفاف الذي يرمي إلى ترخيص الملكية الفكرية. وذلك فهو لا يغير قواعد اللعبة فحسب، بل من شأنه أن ينقذ حياة ملايين من الأشخاص الذين يتعذر عليهم النفاذ إلى الأدوية الأساسية.
ويُعدّ الترخيص الطوعي من بين الخيارات المتعددة الرامية إلى توسيع مدى النفاذ إلى التكنولوجيات الصحية والأدوية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وذلك ينطبق بصفة خاصة عند مواجهة الجوائح وللأمراض غير المعدية، وقد يكون مفيداً في مجال العلاجات الناشئة للأدوية البيولوجية والتكنولوجيات الممتدة المفعول. وعلى الرغم من الإنجازات الواضحة التي أحرزتها ترتيبات الترخيص الطوعي في مجال الصحة العامة، تستمر الدعوة إلى تحسين نماذج الترخيص، وتوسيع نطاق تطبيقها [جغرافياً] ليشمل المناطق التي غالباً ما تُقصى من نطاق الترخيص في مجمع براءات الأدوية.[2]
ويؤدي مجمع براءات الأدوية دوراً هاماً على هذا الصعيد، إذ يقوم بالتفاوض بشأن الترخيص مع أصحاب البراءات وبالتالي يرخّص البراءات لفائدة عدد كبير من المصنعين في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ومنذ تأسييه في عام 2010، وقّع مجمع براءات الأدوية 34 ترخيصاً لمجموعة متنوعة من التكنولوجيات الصحية، ميسراً النفاذ إلى 30 مليار جرعة من العالجات. وبحسب مقال حديث خاضع للاستعراض بين الأقران، يرمي مجمع براءات الأدوية إلى تعزيز فهم مزايا النموذج الذي يحتذي به فيما يتعلّق بنشر التكنولوجيات الصحية وإثراء الحوار الجاري بشأن الأطر الدولية الرامية إلى توسيع مدى النفاذ إلى هذه الموارد الحيوية.
في 5 سبتمبر 2023، صدر في مجلة غلوبال هيلث الطبية البريطانية منشور بعنوان "التفاوض بشأن اتفاقيات ترخيص الملكية الفكرية في مجال الصحة العامة لزيادة النفاذ إلى التقنيات الصحية: قصة من الداخل"، يتناول طريقة عمل الإطار التشغيلي لـمجمع براءات الأدوية بصورة معمقة. وهو يشمل التحديات والتعقيدات في مجال المفاوضات والتسويات الضرورية. ويوضح هذا التحليل حالة الترخيص الطوعي في مجال الصحة العامة، ولا سيما سبل تطبيق ذلك في مجمع براءات الأدوية. ويستكشف التحليل أيضاً طريقة عمل مجمع براءات الأدوية، فيوضح الفوائد التي قد يعود بها على صعيد تحسين الصحة العامة، ويسلط الضوء على كون ذلك النموذج أداة غير مستخدمة إلى حد كافٍ وتضطلع يإمكانات هائلة لتعزيز النفاذ إلى الأدوية الأساسية
إن المنشورات الأخيرة، بما فيها الدراسة المشتركة بين منظمة الصحة العالمية والويبو ومنظمة التجارة العالمية والمذكرة المعلوماتية بعنوان "نهج متكامل بشأن الصحة والتجارة والملكية الفكرية للاستجابة لجائحة كوفيد-19"، تسلط الضوء على الأثر الذي يحدثه نموذج تجمع براءات الأدوية على نطاق واسع في مجال الصحة العامة.
ويتعاون تجمع براءات الأدوية، الذي أنشأه المرفق الدولي لشراء الأدوية في عام 2010، مع شركات الأدوية المالكة للبراءات من أجل منح تراخيص الملكية الفكرية لأدويتها إلى العديد من الشركات المصنعة للأدوية الجنيسة. ومن شأن هذه الاستراتيجية أن تعزز المنافسة في إنتاج نسخ من هذه الأدوية تكون مضمونة الجودة وبأسعار معقولة لفائدة البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، في حين أن الشركات الحائزة على البراءات تواصل بيع منتجاتها الموسومة بعلامات تجارية في الأسواق التجارية. وساهم تجمع براءات الأدوية في تعزيز توزيع الأدوية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية لفيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد سي. ولمواصلة هذا النجاح، وسَّع مجمع براءات الأدوية ولايته لتشمل الأدوية المرتبطة بمرض السل وفي وقت لاحق تكنولوجيات كوفيد-19، والتكنولوجيات الممتدة المفعول، والأدوية البيولوجية، وتركيبات الأدوية. وتُعدّ تراخيص مجمع براءات الأدوية من الممارسة الجيدة للترخيص في مجال الصحة العامة. لكن مجمع براءات الأدوية يعتبر أنه لا يزال هناك إمكانات غير مستغلة للترخيص في هذا المجال.
من أجل إثبات أهمية التماس ترخيص للتكنولوجيات الصحية على طريقة مجمع براءات الأدوية، لا بد من إجراء تقييم مفصّل للحاجة إلى الدواء المعني في مجال الصحة العامة. وذلك يتضمن تحليل البيانات السريرية والسبل التنظيمية بالإضافة إلى حاجات المجتمع الذي يتأثر بها.
وفي العادة يجري مجمع براءات الأدوية محادثات مع خبراء العلوم السريرية، والحكومات، والوكالات المعنية في منظومة الأمم المتحدة، والمجموعات المجتمعية المعنية. وتلك العملية تستغرق فترة قد تصل إلى عام، وهي تأخذ في عين الاعتبار عناصر مثل أعباء المرض، والاحتياجات التي لم تتم تلبيتها/الطلب على العلاجات المتوفرة، والمخاوف المرتبطة بالإنصاف، والرأي العام المؤيد والرأي العام المعارض على حد سواء، والنطاق الجغرافي، وإدارة التراخيص، ويضطلع مجمع البراءات بها مجاناً. وبالإضافة إلى ذلك، يقوم بتقييم الفعالية من حيث التكلفة وتفضيلات المستثمرين، مثل أوجه التقاطع مع أطر العمل المرتبطة بالبيئة والمسائل الاجتماعية والحوكمة.
يتمثل الجزء الأهم من عملية إنشاء اتفاقات الترخيص في تفاوض الأطراف بشأن الشروط والأحكام. وقد يستغرق ذلك فترة تصل إلى بضعة أشهر. وفي بعص الأحيان قد تعجز الأطراف عن التوصل إلى اتفاق. فيستعين مجمع براءات الأدوية بسبل خارجية على غرار المحامين في مجال العلاجات، والحكومات، والمستثمرين، والرأي العام، بهدف التأثير على قرارات أصحاب البراءات. وعلاوة على ذلك، تجرى عملية التثبيت الخارجي لاتفاقات الترخيص المقترحة لضمان التوازن بين احتياجات أصحاب البراءات، وشركات الأدوية الجنيسة، وسائر أصحاب المصلحة.
قد يكون للشركات الحائزة على البراءات تواجد ضئيل وخبرة قليلة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وقد يكون من غير المبرر أن توسّع أنشطتها التجارية إلى مناطق تملك فيها قدراً أقل من الخبرة أو المعرفة بالنظام البيئي للشركاء المحتملين، نظرًا لانخفاض العائدات المتوقعة، لا سيما وأن تسجيل المنتجات وتوزيعها في بلد جديد ينطوي على تكاليف مرتفعة. فالخبرة المتخصصة التي يقدمها مجمع براءات الأدوية مجاناً تساهم في التخفيف من الوطأة الأعباء التي تسفر عنها إدارة التراخيص على الصعيد المالي والبشري. وقد تفضي تراخيص مجمع براءات الأدوية أحياناً إلى عائدات مهمة للشركات الأصلية عن طريق الإتاوات.
وإن رغبة الشركات في تعزيز سمعتها كأطراف داعمة للوصول إلى الأدوية تدفعها إلى المشاركة في الترخيص الطوعي على طريقة مجمع براءات الأدوية. فعلى سبيل المثال يتيح مؤشر النفاذ إلى الأدوية أداة رسمية لتقييم بعض من شركات الأدوية الكبرى بالاستناد إلى جودة برامجها الخاصة بالنفاذ إلى الأدوية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وفيما يزداد انخراط مستثمري شركات الأدوية الأصلية في مجال البيئة والمسائل الاجتماعية والحوكمة، يمكن تحقيق فوائد ملموسة عبر تنفيذ برنامج متين للوصول إلى الأدوية على غرار برنامج الترخيص الطوعي على طريقة مجمع براءات الأدوية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فينعكس ذلك في مؤشر النفاذ إلى الأدوية. وقد يساعد الترخيص الطوعي شركات الأدوية الأصلية على التصدي للتحديات الكامنة في التسعير المرجعي الخارجي، أو تحديد سعر أقصى لأدوية الوصفات الطبية في بلد ما بناءً على سعر الأدوية في بلدان أخرى، وهي تحديات تواجهها شركات الأدوية التي لديها أسواق تجارية في البلدان ذات الدخل المرتفع حين تنظر في إمكانية عرض أسعار مخفضة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
إن المكونات الأساسية لتراخيص مجمع براءات الأدوية تضم ما يلي: النطاق الجغرافي الذي يجوز فيه تصنيع المنتج الجنيس و/أو بيعه؛ وما الذي يُسمح أن تقوم به الأطراف المرخص لها (مثلاً، ما هي المواد الفعالة أو التركيبات التي يمكن تصنيعها وبيعها)؛ وما الغرض الذي يجوز استخدام المنتج من أجله؛ ومعايير الجودة؛ وجوانب رصد الامتثال وإدارة الأطراف الفرعية المرخص لها، وذلك يشمل تقارير المبيعات؛ والإتاوات، إذا كان ذلك منطبقاً؛ ونقل التكنولوجيا، حسب الاقتضاء؛ وأوجه التوافق والتكامل مع سائر آليات النفاذ.
ويرمي مجمع براءات الأدوية إلى تناول القضايا ذات الصلة بالترخيص الطوعي من أجل النفاذ إلى الأدوية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وذلك عن طريق تحقيق التوازن بين مصالح شركات الأدوية الأصلية (ليس فقط فيما يخص المنتج المعني بل على صعيد محافظها بصفة عامة) ومصالح الصحة العامة. وتشمل تراخيصه منطقة جغرافية واسعة وهي في الوقت عينه جذابة من الناحية المالية بالنسبة لشركات الأدوية الأصلية، وذلك يضمن استدامة السوق الذي تساهم فيه وفورات الحجم في خفض الأسعار. وهذا التوازن يراعي الأهداف التجارية لشركات الأدوية الأصلية. ومن خلال الالتزام بالشفافية، عبر وضع التراخيص ضمن الملك العام، يهدف مجمع براءات الأدوية إلى إيجاد السوابق وإنشاء المعايير. وعادة ما تكون تراخيص مجمع براءات الأدوية ميسّرة من حيث إمكانية النفاذ وتنطوي على قيود أقل بالمقارنة مع الاتفاقات الثنائية المعقودة بين أصحاب البراءات وشركات تصنيع الأدوية الأصلية دون وساطة المجمّع.[3]
ولقد حقق نموذج تجمع براءات الأدوية للترخيص الطوعي في مجال الصحة العامة نجاحاً كبيراً فيما يتعلّق بتعزيز النفاذ إلى الأدوية الأساسية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وبحيث إن النموذج لا يخلو من التحديات، فآثاره تشير إلى أنه يجدر تكثيف الجهود الساعية إلى الترويج له والتحفيز على اعتماده، لا سيما في سياق التأهب للجوائح ومكافحتها. ومن خلال استيعاب تعقيدات هذا النموذج يمكن تحسين سبل تطبيقه وتناول مسائل التفاوت في إمكانية النفاذ إلى العلاج على الصعيد العالمي.
قد تكون الروابط بين الصحة العالمية والابتكار معقدة للغاية، وذلك ينطبق أيضاً على التخصصات المتداخلة على غرار الترخيص ونقل التكنولوجيا. وتسعى وحدة الصحة العالمية في الويبو إلى إذكاء الوعي بكيفية مساهمة الابتكار العلمي والتكنولوجي في التقدم في مجال الصحة العامة، بسبل منها التعاون مع أصحاب المصلحة الرئيسيين مثل مجمع براءات الأدوية. وهي تسعى أيضاً للاستفادة من الملكية الفكرية باعتبارها أداة تساهم في تلبية الاحتياجات الصحية الأكثر إلحاحاً في العالم.