Mon Nov 20 13:47:00 CET 2023
شهد مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي طفرة مدهشة وعميقة الأثر على التكنولوجيا الطبية (MedTech). ويشير مصطلح الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى عملية تطبيق الذكاء الاصطناعي لتطوير أو للمساعدة في تطوير تصاميم تستند إلى المعايير والشروط المُدخلة في النظام. ويجري تسخير تقنيات التصميم التوليدي لإحداث ثورة في مجال ابتكار الأجهزة الطبية.
يستخدم المهندسون والمصممون خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحديد المواد التي لا ضرورة من الاحتفاظ بها في جهاز طبي ما أو لتحسين تصميمه. ومثلما يعتمد المهندس على تدريبه وخبرته للتوصل إلى حلول جديدة، يعتمد الذكاء الاصطناعي التوليدي على قواعد بيانات معلوماتية أكبر بكثير وعلى حسابات أكثر تعقيدا بكثير مما يمكن لأي إنسان استيعابه، وذلك لتحسين تصميم منتج ما - ومن هنا جاءت تسميته "بالذكاء الاصطناعي". ويمكّن الذكاء الاصطناعي المهندسين من تكييف التصميمات لتُوائم احتياجات المريض المحددة ومتطلباته الطبية المعقدة، ولتسريع عملية تطوير المنتج. ويساعد هذا المرضى والمهنيين الطبيّين على حد سواء.
فيما يلي مثالان على شركتين تستخدمان الذكاء الاصطناعي لتحسين رعاية المرضى وجودة نتائجها بشكل كبير.
تستخدم شركة Meticuly، وهي شركة تكنولوجيا طبية مقرها في تايلاند، الذكاء الاصطناعي التوليدي لتطوير زراعة العظام المُخصّصة. وتُدخل شركة Meticuly صور الأشعة المقطعية للمرضى في خوارزمية التعلم العميق للذكاء الاصطناعي، الذي يقوم بدوره بتصميم الغرسة. ثم تعمد الشركة إلى طباعة التصميم المُولّد بالتقنية ثلاثية الأبعاد. وقبل عصر الذكاء الاصطناعي، كانت غرسات العظام تُصنع باليد، وكان على الأطباء موائمة شكل الغرسة يدويا أثناء الجراحة لضمان أن تكون مناسبة تماماً لجسم المريض في النهاية. وبفضل شركة Meticuly، لم يعد لكل ذلك لُزوم، وأصبحت عملية الزرع أقصر بساعات، مما أدى إلى ارتفاع نسبة رضى المرضى بعد التدخل الطبي.
NuVapy هي شركة لصناعة الأجهزة الطبية مقرها في الولايات المتحدة، تستخدم التصميم التوليدي لابتكار غرسات مَسامية للعمود الفقري مصنوعة من مادة التيتانيوم عن طريق الطباعة ثلاثية الأبعاد. في العادة، تصنع غرسات التيتانيوم من قطع صلبة من المعدن. وباستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي وتكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد، تمكنت شركة NuVapy من صنع غرسة من مادة تيتانيوم تشبه الإسفنج وملؤها الثقوب الصغيرة. وتستغل هذه الطريقة التوافق الحيوي الذي يتمتع به التيتانيوم، وتتيح في نفس الوقت للعمود الفقري ثقوباً أكثر لينمو داخلها خلال فترة الشفاء، كما يجعل الغرسة أكثر مرونة مما يحول دون هبوط العمود الفقري (وهو إحدى المضاعفات الشائعة في جراحات دمج الفقرات). فعند استخدام غرسات العمود الفقري التقليدية، يكون معدل هبوط العمود الفقري حوالي 20٪. وأما عند استخدام غرسات التيتانيوم المَسامية المصنوعة باستخدام الذكاء الاصطناعي، ، ينخفض هذا المعدل إلى 1.1٪.
يطرح استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في تصميم الأجهزة الطبية أسئلة وتحديات مهمة تتعلق بحقوق الملكية الفكرية وملكية التصاميم المولدة: فهل يمكن حماية التصاميم التي تُبتكر بواسطة الذكاء الاصطناعي بالبراءات؟ ومن منظور الملكية الفكرية، ما الفرق بين التصاميم المُنجزة بمساعدة الذكاء الاصطناعي، أي التي صممها إنسان وصقلها الذكاء الاصطناعي، والتصاميم التي يولدها الذكاء الاصطناعي بمفرده؟
خلال الدورة السادسة لمحادثة الويبو بشأن "التكنولوجيات الحدودية - اختراعات الذكاء الاصطناعي" ، قدم الأستاذ المساعد السيد شيدثا بانكريوبوتر، كبير موظفي التكنولوجيا في شركة Meticuly التي شارك في تأسيسها، عرضاً لمحفظة الملكية الفكرية لشركة Meticuly وشارك ما أدخله الذكاء الاصطناعي من تغييرات عليها. فالتكنولوجيا التي تقدمها الشركة هي منتوج نهائي وليدُ الدمج بين طباعة مادة التيتانيوم بالطريقة ثلاثية الأبعاد واستخدام برنامج الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وتحمي شركة Meticuly المواد المستخدمة في هذه العملية بالبراءات وتحمي الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي تستخدمه بموجب الأسرار التجارية المتعلقة بالتكنولوجيا. وأما باقة المنتجات من الغرسات المطبوعة بالطريقة ثلاثية الأبعاد، فهي محمية بموجب مزيج من براءات الاختراع والتصميم. وتمتلك Meticuly ستّ براءات اختراع تتعلق بجوانب مختلفة من منتجاتها و12 سراً تجارياً لحماية الذكاء الاصطناعي التوليدي خاصّتها بالإضافة إلى عمليات التصنيع الأخرى. وهذا مثال جيد على فحوى محفظة الملكية الفكرية لتصميم أنجز بمساعدة الذكاء الاصطناعي.
وأما بالنسبة للتصاميم التي يبتكرها الذكاء الاصطناعي لوحده، فيكون تحديد صاحب الملكية الفكرية الشرعي أمراً عصيّاً. ويحتدّ النقاش بشأن من تعود إليه ملكية التصميم وحمايته. فهل هي لمطوّري نظام الذكاء الاصطناعي أو لمستخدميه أو حتى للذكاء الاصطناعي نفسه؟
وتعتمد مسألة ملكية التصاميم التي يولدها الذكاء الاصطناعي اعتماداً كبيراً على البيانات المستخدمة لتدريب أنظمته. إذ تتعلم نماذج الذكاء الاصطناعي من مجموعات ضخمة من البيانات التي يمكن أن تشمل مجموعة واسعة من التصاميم والأعمال الإبداعية الموجودة مسبقاً. ففي بعض الحالات، قد تحتوي البيانات المستخدمة على معلومات خاصة أو محمية بموجب حق المؤلف، مما يثير المخاوف بشأن احتمال انتهاك حقوق الملكية الفكرية المملوكة للغير. وليس ذلك فحسب، فعندما تولد أنظمة الذكاء الاصطناعي تصاميم جديدة، يطرح ذلك أسئلة بشأن مدى تأثر هذه التصاميم ببيانات التدريب وما إذا كان يمكن اعتبارها أصلية بالكامل أم لا.
وانفتح النقاش بشأن هذه المسائل مؤخرا على الصعيد العالمي، وذلك بسبب نظام الذكاء الاصطناعي الموحد DABUS (Autonomous Bootstrapping of Unified Sentience AI System). وطور الدكتور ستيفن ثالر نظام DABUS وحصل على براءة اختراعه كما هو موثق في منشورات البراءات الأمريكية تحت المرجع: "5,659,666; 7,454,388 B2; and 2015/0379394 A1." وحضي نظام DABUS بالأهمية على مستوى العالم لكونه أول نظام ذكاء اصطناعي زُعم أنه تمكن من استنباط اختراعين من تلقاء نفسه (حاوية مشروبات ذات أشكال هندسية متدرجة وضوء تنبيه وامض) وكان أول نظام ذكاء اصطناعي أودعت طلبات براءات باسمه نيابةً عنه.
إذ قدم الدكتور ثالر وفريقه طلبات البراءات لهذه الاختراعات في أستراليا وفي المكتب الأوروبي للبراءات ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وقد نوقشت هذه القضية بحدّة في جميع أنحاء العالم، ورفضت معظم البلدان طلبات البراءات على أساس أن المخترع يجب أن يكون بشراً. ولم يُقبل طلب الدكتور ثالر إلا في جنوب أفريقيا في 24 يونيو 2021، حيث أصدرت لجنة الشركات والملكية الفكرية في جنوب أفريقيا (CIPC) إشعارا بمنح البراءة في يوليو 2021. وليس من الواضح حتى الآن كيف سيؤثر هذا القرار على الساحة. فمن الممكن أن يكون هذا القرار حافزا لتطوير نظام ملكية فكرية فريد من نوعه (متخصص) لاختراعات الذكاء الاصطناعي، كما قد لا يكون له أي تأثير على الإطلاق.
يحمل تقاطع الذكاء الاصطناعي التوليدي وتصميم الأجهزة الطبية معه تحديات معقدة تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتصاميم التي يطورها الذكاء الاصطناعي بالكامل لوحده. وأشعلت قضية نظام الذكاء الاصطناعي DABUS، الذي سعى مطوروه إلى الحصول على براءة اختراع خاصة به نيابةً عنه، نقاشاً عالمياً بشأن حقوق كيانات الذكاء الاصطناعي ومستقبل قانون الملكية الفكرية.
وفي حين لم نشهد بعدُ بوضوح أثر الذكاء الاصطناعي على النظام الإيكولوجي للملكية الفكرية، إلا أن تأثيره على مجال التكنولوجيا الطبية واضح بجلاء. ويبشر استخدام هذه التكنولوجيا ببدء عهد جديد من الابتكار في مجال التكنولوجيا الطبية، فهي ذات قدرة هائلة على تخصيص الطب حسب الحالة وتقليل المضاعفات الناجمة عن العمليات الطبية. واعترافاً بهذا التأثير، أطلقت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) مؤخرا المبادرة العالمية بشأن الذكاء الاصطناعي من أجل الصحة بالاشتراك مع الاتحاد الدولي للاتصالات ومنظمة الصحة العالمية. وتجتمع هذه الوكالات الثلاث للأمم المتحدة معا لدعم الذكاء الاصطناعي في تحقيق إمكاناته الكاملة من أجل تعزيز جودة نتائج رعاية المرضى.
وقد تكون شركات مثل Meticuly وNuVapy من أولى الشركات الرائدة في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحسين حياة المرضى، ولكنها حتماً لن تكون الأخيرة. إذ يتيح لنا إطلاق العنان لهذه الأداة الجديدة إمكانية تعزيز جودة رعاية المرضى ونتائج الرعاية الطبية التي يخضعون لها في جميع أنحاء العالم.