التمويل بالأصول غير الملموسة: أداة لتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من التقدم والابتكار في مجال الصحة
Tue Feb 20 13:37:00 CET 2024
تعتبر الشركات الصغيرة والمتوسطة بمثابة المحركات التي تنعش التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتشكل هذه الشركات زهاء 90٪ من مجموع الشركات في العالم، وتساهم بأكثر من 50٪ من فرص العمل، وتحتل مكانة بارزة في المشهد الاقتصادي العالمي. كما أنها تلعب دوراً حاسماً في دفع عجلة الابتكار في مختلف الصناعات، بما في ذلك مجال الرعاية الصحية. فعلى سبيل المثال، تعد مجموعات البحث الأكاديمي والشركات الصغيرة والمتوسطة قوة دافعة في المراحل الأولى من البحث في مجال مضادات الميكروبات وتطويرها. وهذه الشركات مسؤولة عن تطوير 75٪ من مسار البحث في مجال مضادات البكتيريا والفطريات وتطويرها، وهي تركز جهودها على مسببات الأمراض المذكورة في قائمة منظمة الصحة العالمية للمُمرضات ذات الأولوية.
العقبات التي تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة
من أجل توسع الشركات الصغيرة والمتوسطة وازدهارها، يبقى الحصول على رأس المال من الأهمية بمكان. ولكن تفتقر شركاتٌ صغيرةُ ومتوسطةُ عديدةٌ إلى الأصول المادية الملموسة، مثل المباني والمكاتب أو الآلات، وهي أصول يمكن استخدامها كضمان للحصول على القروض. ولهذا السبب، قد يكون الحصول على تمويل بالطرق التقليدية صعب المنال. ومن بين كل العوائق التي تحول دون الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلدان النامية وتطوير أعمالها، يبقى الحصول على التمويل ثاني أكثر العوائق ذكراً .
إن الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تركز أعمالها في مجال الصحة بمثابة محركات للابتكار، وغالبا ما تكون رائدة في تحقيق طفرات حاسمة في المعركة ضد التحديات الصحية العالمية مثل مقاومة مضادات الميكروبات (AMR). ولا يعزز تمكينها من الحصول على التمويل الابتكارَ والوصولَ إلى المنتجات الطبية الأساسية فحسب، بل يساهم أيضا في النمو الاقتصادي من خلال استحداث فرص العمل.
وقد يكمن الحل في النموذج المبتكر للتمويل بالأصول غير الملموسة، خاصة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حيث يكون تمويل الأبحاث محدوداً في كثير من الأحيان. إذ لا يزال تمويل البحث والتطوير في البلدان الأفريقية مثلا أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي (وهي النسبة التي التزمت بها الدول الأعضاء)، كما أن نسبته لا ترقى إلى 2%من ميزانية الصحة الوطنية للبحوث في مجال الصحة كما هو مقرر.
ماذا يُقصد من التمويل بالأصول غير الملموسة؟
يعني مصطلح التمويل بالأصول غير الملموسة الحصول على التمويل المدعوم بالأصول غير الملموسة التي تفتقر إلى الطابع المادي ولكنها ذات قيمة عالية. وتشير التقارير إلى أن القيمة العالمية للأصول غير الملموسة قد زادت عشرة أضعاف على مدى السنوات الـخمسة والعشرين الماضية، وبلغت 74 تريليون دولار أمريكي في عام 2021. وتشمل هذه الأصول الملكية الفكرية بمختلف أشكالها، مثل البراءات والعلامات التجارية وحقوق التصميم وحق المؤلف والأسرار التجارية والمعارف التكنولوجية.
تحصل الشركات على التمويل بالأساس عن طريق اقتراض المال، أي الديون، أو بيع أجزاء من الشركة نفسها، أي الأسهم. ويمكن تسخير الملكية الفكرية للحصول على التمويل في الحالتين. ففي حال التمويل عن طريق بيع الأسهم، يمكن اعتبار البراءات والعلامات التجارية أو التكنولوجيا مسجلة الملكية بمثابة أصول القيمة التي تجذب المستثمرين عن طريق إظهار مدى تفرد الشركة والإيرادات المحتملة التي يمكن أن تحققها مستقبلاً.
وأما في حال التمويل عن طريق الاقتراض، تكون الملكية الفكرية ضمان القرض. ويؤدي ذلك إلى الحد من المخاطر، إذ يمكن للمُقرض المطالبة بحقوق هذه الأصول في حال تخلفت الشركة عن السداد. ويمكن أن يفضي استخدام الملكية الفكرية كضمان كذلك إلى وضع شروط اقتراض أكثر ملاءمة. وعليه، فمن شأن استخدام أصول الملكية الفكرية على نحو استراتيجي أن يقدم حلاً لسدّ فجوة التمويل التي تواجهها الشركات الصغيرة والمتوسطة.
BrainScope، على سبيل المثال، هي شركة تكنولوجيا طبية طورت أول نظام توافق عليه إدارة الغذاء والدواء (FDA) لتقييم نزيف الدماغ والارتجاجات في أقسام الطوارئ في المستشفيات. وعقدت الشركة مؤخرا شراكة مع شركة Aon، وهي شركة عالمية لتقديم الخدمات المهنية، من أجل الحصول على تمويل بقيمة 35 مليون دولار أمريكي كان ضمانه ملكيتَها الفكرية. وسوف تستخدم BrainScope رأس المال الذي حصلت عليه لتوسيع نطاق أنشطتها التجارية توسيعاً كاملاً بالإضافة إلى تطوير تطبيقات سريرية جديدة على منصتها. ويوضح هذا المثال أن أصول الملكية الفكرية يمكن أن تذلّل عقبة التمويل التي تواجهها الشركات الصغيرة والمتوسطة، وأن تعزز الابتكار في مجال التكنولوجيات الطبية، وهو أمرٌ على نفس القدر من الأهمية.
التمويل بالأصول غير الملموسة: محفز لتحقيق الإنصاف في مجال الصحة العالمية
وكما يوضحه مثال BrainScope الناجح، فإن التمويل بالأصول غير الملموسة يَعِد بإمكانات هائلة لفائدة الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تركز أعملاها على قطاع الصحة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وفضلاً عن ذلك، تمكن هذه الطريقة الممولين من وضع شروط تمويل ذات صلة بالملكية الفكرية، سواء كانوا حكومات أو مقرضين من القطاع الخاص ممن يسعون إلى تعزيز الوصول إلى المنتجات الطبية ذات الأهمية العالية في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. فعلى سبيل المثال، يمكن لهؤلاء الممولين في سعيهم للتصدي لمقاومة مضادات الميكروبات، فرض شروط بأن تبرم الشركات الصغيرة والمتوسطة اتفاقات لنقل التكنولوجيا وترخيصها، تتضمن أحكاماً تتعلق بالقدرة على تحمل التكاليف والتصنيع المسؤول بيئياً وممارسات الإشراف. وعندما يستخدم الممولون التمويل بالأصول غير الملموسة بهذه الطريقة، فإنهم بذلك لا يحفزون النمو الاقتصادي فحسب، بل يلعبون أيضا دوراً محورياً في معالجة التحديات الصحية العالمية مثل مقاومة مضادات الميكروبات، وهي واحدة من أكبر تهديدات الصحة العامة العالمية التي تواجه البشرية.
ما هي التحديات التي تواجه التمويل بالأصول غير الملموسة؟
على الرغم من الإمكانات الكبيرة التي ينطوي عليها التمويل بالأصول غير الملموسة، قد يصعب على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحصول عليه لبعض الأسباب التالية:
- تعقيد تقييم الأصول غير الملموسة. إذ لا يوجد إطار تقييم موحد للأصول غير الملموسة. وفضلاً عن ذلك، غالباً ما تختلف القيمة الدفترية المبلغ عنها، وهي قيمة الأصل، اختلافاً كبيراً عن قيمة الأصل السوقية الفعلية. ويصعِّب هذا على الشركات الصغيرة والمتوسطة إبراز القيمة الحقيقية لأصولها غير الملموسة أمام المستثمرين أو المقرضين المحتملين.
- افتقار العديد من المقرضين والمستثمرين إلى فهم الأصول غير الملموسة فهماً جيداً بسبب التعقيدات القانونية والصعوبات العملية. إذ يستغرق تحديد الأصول غير الملموسة ذات الصلة وبذل العناية الواجبة والحصول على حقوق الملكية وقتاً وجهداً.
- يتعين على البنوك والمؤسسات المالية الأخرى أن تحتفظ برأس مال كبير لتقديم القروض مقابل استخدام الملكية الفكرية والأصول غير الملموسة كضمان. وعلى وجه الخصوص، لم تتخذ الهيئات التنظيمية للقطاع المصرفي أي خطوات لتخفيف المتطلبات المتعلقة برأس المال، وهي صمام الأمان الذي تعتمده البنوك من لأجل منح القروض المدعومة بأصول الملكية الفكرية. ويحدّ هذا القصور من توفير القروض المصرفية بأسعار جذابة للشركات القائمة أساساً على الأصول غير الملموسة.
- ارتفاع تكاليف تمويل الأصول غير الملموسة بسبب إجراءات التقييم والعناية الواجبة والإجراءات الإدارية. إذ تثقل هذه التكاليف الإضافية كاهل أصحاب الملكية الفكرية، مما يعيق وصولهم إلى رأس المال الذي يحتاجونه لتطوير مشاريعهم.
- صعوبة تصفية الأصول غير الملموسة أحياناً. إذ يحتاج المقرضون إلى الثقة بأنهم يستطيعون تحويل أوراقهم المالية إلى سيولة في حال التخلف عن السداد. غير أنه في غياب أسواق ثانوية شفافة، قد يصعب قياس قيمة استرداد الأصول غير الملموسة.
قد يمكّن تجاوز التحديات المبينة أعلاه من المساعدة على أن يصبح التمويل بالأصول غير الملموسة متداولاً على نطاق أوسع. ومن شأن هذه الخطوة تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تركز أعمالها على الصحة من استخدام ملكيتها الفكرية للحصول على التمويل اللازم لإطلاق العنان لابتكاراتها والمساعدة في مكافحة التحديات الصحية العالمية.
وبما أن المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة مكرسة لتطوير نظام دولي متوازن وفعال للملكية الفكرية، فإنها تتمتع بموقع فريد يمكنها من التوفيق بين الحكومات والمبتكرين وأصحاب المصلحة الماليين لتجاوز هذه التحديات. وتحقيقا لهذه الغاية، وضع قسم تسويق الملكية الفكرية في قطاع النظم الإيكولوجية للملكية الفكرية والابتكار في الويبو (IES) خطة عمل شاملة تهدف إلى المساعدة في جعل التمويل بالأصول غير الملموسة مقبولاً وممارساً على نطاق أوسع.
خطة عمل الويبو بشأن التمويل بالأصول غير الملموسة
تتضمن خطة العمل ثلاثة عناصر على النحو المبين أدناه:
يشير العنصر الأول إلى هدف الويبو المتمثل في إذكاء الوعي بإمكانيات التمويل بالأصول غير الملموسة من خلال عقد سلسلة من المحادثات مع القادة في مجالات التمويل والأعمال والملكية الفكرية. وقد انعقدت جلستان من المحادثات بالفعل - كانت إحداهما في نوفمبر 2022 والثانية في نوفمبر 2023. ولتعزيز تأثير هذه المحادثات، عمدت الويبو إلى تكميلها عن طريق تكوين مجموعات خبراء استشارية لدراسة التحديات المرتبطة بالحصول على التمويل بالأصول غير الملموسة. وستوفر جلسات مجموعات الخبراء الاستشارية منصات للمناقشات المفتوحة الهادفة إلى التوصل إلى حلول محتملة. وقد اجتمعت مجموعة الخبراء الاستشارية الأولى في أكتوبر 2023 لدراسة كيفية تقييم الملكية الفكرية من أجل الحصول على التمويل.
ويهدف العنصر الثاني من خطة عمل الويبو إلى دراسة كيفية استخدام الملكية الفكرية حالياً لزيادة فرص الحصول على رأس المال. وأطلقت الويبو سلسلة جديدة من التقارير بعنوان "فتح المجال للتمويل المدعوم بالملكية الفكرية: وجهات نظر البلدان"، والتي تتابع التدابير التي تتخذها بلدان مثل الصين وجامايكا وسنغافورة وسويسرا والمملكة المتحدة للتمكين من/تسهيل الحصول التمويل المدعوم بالملكية الفكرية. وهذه التقارير لا تبني قاعدة المعارف في هذا المجال فحسب، بل تشجع أيضا البلدان الأخرى على المشاركة فيه.
ويدعم العنصر الأخير من خطة عمل الويبو أصحاب المصلحة والمشاركين في النظام الإيكولوجي للتمويل بالأصول غير الملموسة. إذ يحتاج أصحاب الملكية الفكرية إلى أدوات لتحسين فرصهم في الحصول على التمويل عن طريق القروض والأسهم. ويحتاج المستثمرون ذوو الدراية المحدودة بالملكية الفكرية إلى فهم القيمة المحتملة لهذه الأصول وكيفية تصفيتها في حال التخلف عن السداد بشكل أفضل. وكبداية، ستنشئ الويبو علبة أدوات عملية بشأن التمويل من أجل مساعدة المقترضين والمقرضين على التواصل بطريقة أنجع. كما ستطلق الويبو برنامجاً تجريبياً لتمويل الملكية الفكرية يركز على دعم المؤسسات المالية المهتمة بتقديم حلول التمويل المدعومة بالملكية الفكرية.
ومع تطور العالم، يجب أيضا أن تتطور أساليبنا في تمويل ودعم الابتكار في مجال الصحة. فتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تركز أعمالها على الصحة، بما في ذلك تلك الموجودة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، من خلال تمويل الأصول غير الملموسة هو أكثر من مجرد محرك للنمو الاقتصادي، بل هو سبيل نحو معالجة التحديات الصحية العالمية. ويمكن لنهج الويبو الاستباقي في تعزيز الاعتراف بالأصول غير الملموسة واستخدامها للحصول على التمويل، إلى جانب تعزيز نظام إيكولوجي داعم، أن يساعد الشركات الصغيرة والمتوسطة على الابتكار وتوفير حلول رعاية صحية تكون في المتناول وحيثما تشتد الحاجة إليها، مما يضمن تحسين النتائج الصحية للجميع.
لمعرفة المزيد:
تعرف على المزيد عن عمل الويبو في مجال تمويل الأصول غير الملموسة والحوار بشأن تمويل الملكية الفكرية، الذي انعقد في 21 نوفمبر 2023.