لم يتم تحديث القواعد الدولية لحماية البث التلفزيوني من القرصنة منذ اعتماد اتفاقية روما لسنة 1961 في الوقت الذي كان فيه البث الكبلي في مراحله الأولى ولم يكن قد تم اختراع الإنترنت بعد. واليوم تشكل سرقة الإشارات مصدر قلق مهم على المستوى التجاري بالنسبة لهيئات البث حول العالم نظراً لإمكانية الحصول على نسخ رقمية مثالية للبرامج التلفزيونية ونقلها بواسطة الضغط بضع مرات على زر الفأرة.
وقد تتخذ قرصنة الإشارات شكلاً مادياً مثل التسجيل غير المصرح به لبرامج البث على أشرطة الفيديو وأقراص الفيديو المدمجة أو محركات أقراص USB المحمولة أو شكلاً افتراضياً مثل إعادة توزيع الإشارات على الهواء أو على الإنترنت بدون تصريح. ويُعتبر التسلل إلى الإشارات التي تبثها المحطات التلفزيونية المدفوعة الأجر والتي تهدف إلى التحايل على التدابير الأمنية في أجهزة الاستقبال الرقمية، شكلاً شائعاً آخر من أشكال القرصنة بينما تُستهدف بوجه خاص البرامج الرياضية التي يتم بثها على الهواء بإعادة إرسال غير مصرح بها على الإنترنت. وتدعي هيئات البث، بما فيها هيئات البث في البلدان النامية، أن جميع أنواع القرصنة تتسبب لها بخسارة الملايين من الدولارات نظراً لانخفاض نسبة الاشتراكات في المحطات التلفزيونية المدفوعة الأجر أو نسبة المداخيل الإعلانية مما يؤثر سلباً على قرارات الاستثمار والقدرة التنافسية.
وعلى أثر تصديق أعضاء الويبو على معاهدتي الويبو للإنترنت في سنة 1996، معاهدة الويبو بشأن حق المؤلف ومعاهدة الويبو بشأن الأداء والتسجيل الصوتي، بدأت هيئات البث تصر أيضاً على تحديث حماية التكنولوجيات الجديدة في مجال البث.
ولكن على الرغم من الموافقة الواسعة من حيث المبدأ على ضرورة تحديث هيئات البث للحماية الدولية بهدف حماية إشاراتها من السرقة، عجزت الدول الأعضاء في الويبو حتى الآن من الاتفاق على كيفية تحقيق هذا الهدف وعلى تحديد الحقوق الأخرى التي ينبغي منحها إلى هيئات البث إذا ما توافرت مثل هذه الحقوق. وفي سنة 2007، وافقت الجمعية العامة للويبو على اتباع "نهج قائم على الإشارات" لوضع معاهدة جديدة بغية ضمان عدم منح الأحكام بشأن سرقة الإشارات حقوقاً إضافية لهيئات البث على محتوى البرامج. ولكن على الرغم من هذه المبادرة، لا يزال الإختلاف في وجهات النظر سائداً إلى حد بعيد.
وفي سنة 2011، وافقت اللجنة الدائمة المعنية بحق المؤلف والحقوق المجاورة المسؤولة عن المفاوضات بشأن هيئات البث على خطة عمل لوضع معاهدة جديدة توافق عليها كل الدول الأعضاء في الويبو أو أغلبها.
وتشمل المسائل المعلقّة ما يلي:
- ما الذي ينبغي حمايته؟ لا شك أن هيئات البث تريد حماية كافة وسائل إرسال إشاراتها (حماية "محايدة بالنسبة للتكنولوجيا" في اللغة التقنية) التي تشمل التكنولوجيا الجديدة مثل أجهزة تسجيل البرامج الرقمية وخدمات الفيديو بناء على الطلب ("التلفزيون ذات النظام الأمني على الإنترنت" أو التلفزيون عبر الإنترنت) التي يمكنها نقل البرامج ليتم بثها عبر التلفزيون وكذلك عبر الشبكات الحاسوبية والهواتف النقالة. ولكن تتوخى بعض الدول وفئات المجتمع المدني الحذر من التقييدات المفروضة على أوجه الإرسال عبر الإنترنت. وفي سنة 2006، وافق أعضاء الويبو أن يضعوا جانباً مسألة البث عبر الإنترنت (البث عبر شبكة الإنترنت أو محتويات أقراص الفيديو لإرسالها المتواصل على الإنترنت) واتباع مسار مختلف في وقت لاحق بهذا الشأن. ولكن حماية هيئات البث للإرسال عبر الإنترنت قد يستبق النقاش من خلال منح بعض الحماية إلى جهات البث عبر الإنترنت أيضاً وذلك أمر يدعو إلى القلق.
- كيف ينبغي حماية إشارات البث؟ ترغب هيئات البث في أن تشمل المعاهدة المقترحة أحكاماً مماثلة للأحكام الواردة في معاهدات الويبو التي تجرم كسر "أقفال" مكافحة القرصنة الموضوعة على الإشارت الرقمية مثل التجفير و"وضع العلامات". ويعتبر بعض النقاد أنه من خلال فرض القيود على ما يمكن مشاهدته على أية أجهزة، قد تحول هذه القواعد دون الانتفاع المشروع ببرامج البث التلفزيونية مثل تسجيل البرامج بهدف الانتفاع بها على المستوى الشخصي والتعليمي كما أنها قد تعيق الابتكار التكنولوجي.
- ما هي الحقوق الأخرى التي ينبغي منحها إلى هيئات البث؟ بموجب اتفاقية روما، تتمتع هيئات البث بحقوق استئثارية لمدة 20 سنة لتسمح بإعادة بث برامجها و"تثبيتها" (تسجيلها) واستنساخها وإبلاغها للجمهور. وترغب أغلبية هيئات البث في توسيع نطاق المعاهدة الجديدة وتحديث الحقوق المرتبطة بالتكنولوجيا الجديدة، وبشكل خاص لمنع إعادة الإرسال غير المصرح بها لبرامجها عبر الإنترنت. ومع أن لبعض البلدان (بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين) تشريع محلي متعلق، فهو لا يوفر أية حماية من القرصنة الأجنبية. وفي أنحاء عديدة من العالم، تعتبر إعادة إرسال برنامج بث عبر الإنترنت بدون إذن قانونية تماماً.
ويلاحظ نقاد المجتمع المدني وعدد من الحكومات أن هيئات البث لا تحتاج إلى توفير حماية قوية مماثلة لحماية حق المؤلف لبرامج البث الخاصة بها فضلاً عن توفيرها الحماية من سرقة الإشارات. كما يشيرون إلى أن نصف عدد الدول الأعضاء في الويبو لم ينضم إلى اتفاقية روما. ويقول النقاد أن منح هيئات البث جملة من الحقوق الاستئثارية يؤدي إلى إعاقة النفاذ إلى المواد المحمية بموجب حق المؤلف بما أن ذلك يستلزم الحصول على موافقة للانتفاع بها وليس من صاحب حق المؤلف فحسب (مثل منتج برنامج تلفزيوني أو فيلم وثائقي) وإنما من هيئة البث على حد سواء. وقد يساهم ذلك أيضاً في تقليص حقوق أصحاب حق المؤلف من خلال منح هيئات البث القدرة على تحديد شروط (وفرض رسم ترخيص) للانتفاع بالمصنف. وعلى النحو ذاته، إن منح هيئات البث حقوقاً استئثارية على برامج البث الخاصة بها قد يساهم في "خصخصة" المواد التي آلت إلى الملك العام مثل الأفلام التي لا يشملها حق المؤلف أو الأحداث الرياضية أو الأخبار التي لا تتم حمايتها بموجب حق المؤلف (بما أنها لا تعتبر مصنفات إبداعية)، وذلك ما يدعو إلى القلق.
وقد وسّع مؤيدو هيئات البث نطاق الحقوق الدولية بما أن المحتوى الكامن لن يتغيّر وستتاح دائماً الإمكانية للغير لبث هذا المحتوى أو إرساله ضمن نسخهم الخاصة (المصرّح بها). وعلى سبيل المثال، بينما تتم حماية بث حفلة موسيقية لسيمفونية بيتهوفن الخامسة، تبقى السيمفونية نفسها جزءاً من الملك العام مما يسمح للغير عزفها وتسجيلها أو بثها. ولكن ترى هيئات البث أنها بحاجة إلى حماية برنامج البث نفسه وقد يستلزم ذلك استثماراً مهماً في البنية التحتية وشراء حقوق البث.
وتتعلق مسألة أخرى ومختلفة بشراء الحقوق الاستئثارية المرتبطة ببث البرامج الرياضية والأحداث الأخرى، وهي لا تدخل في إطار المعاهدة المقترحة إنما تؤثر على كيفية تطبيق أحكامها من الناحية العملية. ويعود السبب في ذلك إلى أن الحقوق على برنامج البث قد تحدّ أيضاً إمكانية النفاذ إلى المحتوى الكامن في هذه الحالة ما لم يتوافر مصدر آخر. وفي عدد من البلدان بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والهند وأستراليا، تعتبر بعض الأحداث (مثل نهائي كأس جمعية كرة القدم ونهائي بطولة ويمبلدون لكرة المضرب في المملكة المتحدة) ذات أهمية كافية على المستوى الوطني لضمان تغطية هيئات البث الحر لها.
• ما هي التقييدات والاستثناءات التي ينبغي تطبيقها؟ تسمح معاهدة روما باستخدام الإرسال دون تصريح ضمن برامج البث الجديدة ولأغراض التعليم والبحث العلمي. واتفقت الدول الأعضاء في الويبو على ضرورة أن تسمح المعاهدة ببعض "التقييدات والاستثناءات" في ما يتعلق بالحصول على تصريح لاستخدام برامج البث، تكون مماثلة لتلك التي تتعلق بحماية حق المؤلف في عدد من البلدان (مثل الاستخدام الشخصي ولأغراض المحاكاة التهكمية واستخدام المكتبات). ولكن اختلفت الدول الأعضاء بشأن ضرورة أن تكون المعاهدة بمثابة اختبار عام لمختلف البلدان بحيث يسمح لها اختيار التقييدات والاستثناءات، أو ضرورة أن تحدد بعض أوجه الانتفاع التي تعتبر ملزمة لكافة الدول الموقعة. وكما ورد ذكره سابقاً، يرى البعض أنه بغض النظر عن التقييدات والاستثناءات الواردة في المعاهدة، يجوز إسقاطها بواسطة الأحكام التكنولوجية "لمكافحة التحايل".
• كم ينبغي أن تدوم الحماية؟ ترغب بعض البلدان بأن تكون مدة الحماية 50 سنة وهي المدة التي تمنح إلى فناني الأداء ومنتجي التسجيلات الصوتية (وهيئات البث في الاتحاد الأوروبي). وترى بلدان أخرى أن مدة الحماية يجب ألا تتجاوز 20 سنة (كما تم ذكره في اتفاقية روما واتفاق جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة لمنظمة التجارة العالمية). ولكن القلق بأن أية إعادة بث تؤدي إلى تحديد مدة جديدة للحماية، وبالتالي إلى الحماية الدائمة، لا أساس له إذ ينتهي سريان الحقوق المرتبطة ببرنامج البث الأول عند انقضاء المدة بغض النظر عن أية إعادة بث.