إنها بداية المساء وأنت متجه نحو البوابات مع الآلاف من عشاق الرياضة الآخرين لتشجيع الرياضيين المحترفين الذين يتنافسون على أعلى مستوى. وسواء كان ذلك في ملعب يانكي بنيويورك أو في ملعب اولد ترافورد بمانشستر أو في موقع أي حدث رياضي رئيسي آخر، فإن حشود من المشجعين المتحمسين يكتسون قمصان ناديهم وقبعاته وأوشحته.
وقبل انطلاق المباراة أو إرسال الكرة الأولى، فإن هذا النوع من توسيم الفريق والمتاجرة به ما هو إلا مثال واحد على طرق دعم النظام العالمي للملكية الفكرية للرياضيين في جميع أنحاء العالم. وتقيم الرياضة مجتمعات من اللاعبين والمشجعين على حد سواء، وتشكل أيضاً محركاً اقتصادياً يمثل أكثر من 300 مليار دولار أمريكي ويخلق فرص عمل في شتى أنحاء العالم.

القمصان والملاعب ذات العلامات: دور العلامات التجارية
وأنت واقف في الطابور لدخول الملعب، قد تدرك أن العديد من الملاعب الأكثر شهرة في العالم تحمل الآن أسماء مموليها وعلاماتهم التجارية، وكذلك أسماء الأفرقة وشعاراتها. ويسهم في دعم هذا النوع من التوسيم النظام الدولي لتسجيل العلامات التجارية، الذي تديره المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو). والويبو وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة يقع مقرها في جنيف وتشجع الابتكار والإبداع لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في جميع البلدان، وذلك من خلال نظام دولي للملكية الفكرية يتسم بالتوازن والفعالية.
ويسعى مالكو أدوات التوسيم إلى السيطرة على علاماتهم التجارية مثل الشعارات والأناشيد التي تؤدي دور همزة الوصل الحسية بينهم وبين عملائهم. وكما هو الحال في المجالات التجارية الأخرى، تمثل المواد المحمية بالعلامات التجارية في مجال الرياضة صفات خاصة تجذب عشاق الرياضة– مما يوفر دخلاً للشركات كي توظف استثمارات في اكتشاف مواهب جديدة أو تحسين البنى التحتية.
المنتج الشخصي: اللاعبون والعلامات التجارية
وأنت تستقر في مقعدك، ينزل اللاعبون إلى الملعب وسط الهتافات. وقد يستخدم بعض هؤلاء الأفراد حقوق الملكية الفكرية للتحكّم في استعمال الصورة المرتبطة بهم. فمن المعروف، مثلا، أن وقفة العداء الجامايكي يوسين بولت "Lightning Bolt" (صاعقة البرق) وشعاره "to di world" (إلى العالم)، ووقفة نجم كرة السلة الأمريكي مايكل جوردن المعروفة باسم "jumpman" (جامبمان) وماركة الأحذية المنسوبة إليه المعروفة باسم "إير جوردن"، والركلة المميزة لنجم الرجبي الإنكليزي جوني ويلكنسون هي جميعا علامات تجارية مسجلة. وتمكّن العلامات التجارية، دون منح حقوق مطلقة فيما يخص تلك الوقفات والعبارات، من منع الاستخدام التجاري للمنتجات بدون تصريح من المشاهير. وحتى دون علامة تجارية مسجلة فإن المشاهير من الرياضيين لهم "حقوق مظهرية (أو شخصية)" تمنع الاستخدام غير المصرح به لاسمهم أو شكلهم أو أي سمات شخصية أخرى.
وتكتسب العلامات التجارية الحماية بدخولها في سجل وطني للعلامات التجارية. ويمكن، بعد تسجيل العلامات التجارية، أن تكون الحماية المكتسبة غير محدودة المدة طالما يتواصل استخدام تلك العلامات. ويمكّن النظام الدولي لتسجيل العلامات التجارية التابع للويبو، والمعروف باسم نظام مدريد، أصحاب العلامات التجارية من إيداع طلب واحد للتسجيل في عدد من البلدان يصل إلى 85 بلدا، والحفاظ على تلك العلامات وتجديدها من خلال إجراء واحد.

الأضواء والكاميرا وحق المؤلف
بينما يستعد اللاعبون، تضيء أنوار الكاميرا التلفزيونية ويرحب المذيعون بالمشاهدين والجماهير في المباراة. وأدت التطورات التي شهدتها تكنولوجيات الاتصالات – مثل الأقمار الاصطناعية والفضائيات والموجات العريضة والإنترنت على الهواتف المحمولة – إلى طفرة في التغطية الإعلامية للرياضة ومكّنت آلاف الملايين من الناس حول العالم من المشاركة في ما تجلبه الأحداث الرياضية الرئيسية من أداء وإثارة.
ويوفر حق المؤلف والحقوق المجاورة الحماية ضد إعادة نقل برامج البثّ بدون تصريح ويعزّز العلاقة بين الرياضة والتلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى. ويدفع التلفزيون والهيئات الإعلامية مبالغ ضخمة من المال للحصول على حق استئثاري في بثّ الأحداث الرياضية على المباشر. فعلى سبيل المثال، من أصل 3,7 مليار دولار أمريكي من الإيرادات الإجمالية (باستثناء مبيعات التذاكر) التي استحدثتها بطولة كأس العالم لكرة القدم التي نظمت في عام 2010 بجنوب أفريقيا، تأتى ثلثان أو 2,4 مليار دولار من بيع حقوق البث. وجلب بيع حقوق التسويق مبلغا آخر قدره 1,1 مليار دولار أمريكي، وجلب بيع حقوق الضيافة والترخيص المبلغ المتبقي.
التكنولوجيا الرياضية: التصاميم الصناعية والبراءات
تبدأ المباراة ويرد المتنافسون الكرة بمضربهم أو يركلونها ويعدون ذهاباً وإياباً وهم يكتسون أحدث المعدات - التي تمثّل جميعا أدوات يمكن حماية تصاميمها. ويجب، في معظم البلدان، تسجيل تصميم صناعي بغية حمايته بموجب قانون التصاميم الصناعية. بيد أن الحماية لا تُمنح إلا في البلد الذي سُجل فيه التصميم. ويوفر نظام لاهاي التابع للويبو وسيلة سهلة وفعالة من حيث التكلفة للحصول على الحماية لتصميم صناعي في عدد من البلدان يصل إلى 57 بلداً.
وبين الشوطين أو الأشواط، يجلس اللاعبون ويتمددون بحيث تصل رؤوسهم إلى أحذيتهم المتعددة الألوان. وفي الواقع، يشمل هذا الحذاء البسيط جملة أمور: فقد يكون محميا بموجب العديد من حقوق الملكية الفكرية، مثل البراءات التي تحمي التكنولوجيا المستخدمة في إعداد الحذاء. ويوفر نظام معاهدة التعاون بشأن البراءات التابع للويبو وسيلة سهلة وفعالة من حيث التكلفة لحماية اختراع بموجب براءة في عدد من البلدان يصل إلى 148 بلداً. أما التصاميم المسجلة فتحمي "مظهر" الحذاء، بينما تميّز العلامات التجارية الحذاء عن المنتجات المماثلة وتحمي "سمعة" الحذاء (والشركة التي تصنعه)، ويمكن أن يحمي حق المؤلف أي عمل فني أو إبداع سمعي بصري يُستخدم لترويج الحذاء.
وقد طرأ الكثير من التغييرات منذ أن حصل رودولف ليتنير، في أواخر عشرينات القرن الماضي، على براءة لاختراع يُعد من أوّل الاختراعات المرتبطة بالرياضة، وهو زلاجة الثلج ذات الحافة الفولاذية. أمّا الآن فقد أصبحت آلاف الاختراعات المرتبطة بالرياضة محمية بموجب براءات مُنح الكثير منها بناء على طلبات براءات أودعت من خلال نظام معاهدة التعاون بشأن البراءات التابع للويبو.
محرك اقتصادي ومصدر للتوظيف
لكن لا تقتصر الاستفادة من نظام الملكية الفكرية على المهنيين ومموليهم فحسب، وإنما نستفيد منه جميعاً عندما نذهب إلى البيت بعد الأحداث الرياضية الكبرى ونجرب حظنا في الملاعب الرملية وباحات المدارس.

ويؤثر قطاع الرياضة بشكل متزايد على الاقتصاد العالمي إذ يخلق فرص عمل ويستثمر في البنى التحتية العامة ويحشد الموارد- ويُستحدث شطر كبير من ذلك عن طريق أنشطة الملكية الفكرية المحمية. ومن المتوقع أن يصل إجمالي دخل قطاع الرياضة – الذي يشمل مصادر التمويل وبيع التذاكر ورسوم الحقوق الإعلامية وعمليات المتاجرة – إلى 133 مليار دولار أمريكي في عام 2013 مقابل 114 مليار دولار أمريكي في عام 2009. وتقدر قيمة التداول السنوي العالمي للسلع الرياضية (المعدات والملابس والأحذية) بنحو 300 مليار دولار أمريكي.
كيف تساعد الويبو في ذلك؟
إضافة إلى تيسير سبل حماية العلامات التجارية والبراءات والتصاميم في مختلف أنحاء العالم، تعمل الويبو على ضمان انتشار الفوائد المترتبة على قطاع الرياضة على نحو واسع وعميق.
وتنظر أنشطة الويبو الخاصة بالتوعية والتدريب في استراتيجيات حقوق الملكية الفكرية الناجحة وإمكانية تسييل أصول الملكية الفكرية لتعزيز نمو الرياضة بوصفها أداة للتنمية. وتتناول الأنشطة أيضاً التحديات التي تواجه إقامة بيئة تنظيمية داعمة وسبل ضمان اتخاذ إجراءات فعالة ضد انتهاكات الملكية الفكرية التي تقلص ثقة الجهات الراعية والفوائد المرتبطة باستضافة الأحداث الرياضية الكبرى.
وتنفَذ برامج التوعية والتدريب بناء على الطلب وتصمَم على نحو يتكيف مع السياق الاجتماعي والثقافي الخاص لكل بلد.
وتستهدف الأنشطة طائفة واسعة من الأطراف المعنية مثل: الهيئات الحكومية والعامة؛ والمسؤولين عن إنفاذ القانون والسلطات القضائية؛ وممارسي القانون؛ والوكلاء والرياضيين والأندية والاتحادات الرياضية؛ ومنظمي الأحداث والجهات المانحة والجهات الراعية؛ ومصنعي السلع الرياضية؛ وشركات التلفزيون ووسائل الإعلام.
وفيما يلي المواضيع التي تتناولها البرامج: النموذج التجاري الرياضي - وضع استراتيجية فعالة بشأن حقوق الملكية الفكرية؛ وقرصنة الإشارات ومشروع معاهدة الويبو بشأن حماية هيئات البث؛ وبيع الحقوق الإعلامية والإذاعية؛ واستخدام البراءات والعلامات التجارية والتصاميم والنماذج في الرياضة؛ واستخدام أسماء الحقول وحالات استخدام أسماء حقول تتعلق بالرياضة؛ والمحتوى الرقمي وتسخير وسائل التواصل الاجتماعي للرياضة؛ والعقود الرياضية؛ واتفاقات التسويق والمتاجرة ومنح التراخيص؛ وحقوق الرياضيين على صورتهم في الألعاب؛ ووضع برامج رعاية ناجحة؛ وإنفاذ الحقوق وتنمية الاحترام لحقوق الملكية الفكرية في الرياضة؛ والمنازعات الرياضية والسبل البديلة لتسوية المنازعات المتعلقة بالرياضة.
حدود جديدة: التكنولوجيا والرياضة
عندما تتجه من الملعب إلى البيت، فإنك تنضم مجدداً إلى الجمهور العالمي القادر على الانتفاع بالأحداث الرياضية عن بعد، وذلك عبر التلفزيون والإذاعة والإنترنت ووسائل الإعلام الأخرى.
وتمكّن الإتاوات، التي يجنيها المذيعون من بيع أفلامهم الاستئثارية لوسائل الإعلام الأخرى، هؤلاء المذيعين من الاستثمار في الجوانب التنظيمية والتقنية المكلّفة التي ينطوي عليها بثّ الأحداث الرياضية لملايين المشجعين في جميع أنحاء العالم. ويتسنى ذلك بفضل الحماية التي يوفرها نظام الملكية الفكرية لحقوق البثّ الخاصة بهم.
ونشرت هيثة بثّ دورة الألعاب الأولمبية ببيجين، التي وفرت الإشارات التلفزيونية من جميع الملاعب الأولمبية بوصفها هيئة البثّ المستضيفة لألعاب بيجين، 000 60 موظف و1000 كاميرا و575 مسجل أفلام رقمية، و350 مقطورة لأغراض البثّ و62 شاحنة للبثّ في الخارج.
ويُعتقد أن حقوق البثّ على القنوات التلفزيونية تمثّل نحو 60 % من الدخل المتأتي من سباق فرنسا للدراجات، الذي يُبثّ في أكثر من 180 بلداً. وبيعت حقوق البثّ الداخلية والدولية للدوري الإنجليزي الممتاز على القنوات التلفزيونية لثلاثة مواسم فيما بين 2010 و2013 بنحو 3,2 مليار جنيه استرليني.
حقوق هيئات البثّ
تتمتع هيئات البثّ بموجب الاتفاقية الدولية لحماية فناني الأداء ومنتجي التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة (اتفاقية روما) لعام 1961، بحقوق استئثارية مدتها 20 عاماً تجيز لهم إعادة البثّ، و"التثبيت" (التسجيل)، والنسخ ونقل برامجها الإذاعية إلى الجمهور. ولكن هناك اتفاق واسع على ضرورة تحديث حماية حقوق هيئات البثّ لمواكبة ثورة الاتصالات الرقمية. وتهدف المفاوضات الجارية في الويبو إلى تحديث الإطار القانوني الدولي من أجل التصدي على نحو ملائم وفعال لقرصنة إشارات البثّ.
وأصبحت الرياضة التنافسية صناعة عالمية تبلغ قيمتها مليار دولار أمريكي ويعود الفضل في ذلك، أساسا، إلى حقوق الملكية الفكرية والتعاون الذي أضحى أوثق من أي وقت مضى بين وسائل الإعلام والجهات الراعية والسلطات الرياضية.
القراصنة: ليسوا لاعبين جماعيين
غير أن تكنولوجيات الاتصال الأكثر تطورا والمتاحة لجمهور عريض لم تمكّن المشجعين من متابعة الرياضة على المباشر أينما كانوا فحسب، بل أتاحت أيضا إمكانيات جديدة لسرقة الإشارة. وما فتئ بثّ الأنشطة الرياضية يمثّل هدفاً محدداً لأنشطة إعادة البثّ غير المصرح بها على الإنترنت، وغالباً ما يتم ذلك من خلال تقنية تقاسم الملفات، التي باتت تؤدي دور قناة يلجأ إليها المستخدمون لمشاطرة المحتويات.
ولا يقتصر خطر قرصنة الإشارات على تهديد عائدات الإعلانات والمبيعات الخاصة بهيئات البثّ، التي اشترت حقوقاً استئثارية لإذاعة تغطية مباشرة لأحداث رياضية، بل يمكنه أن يؤدي أيضا إلى تقليص قيمة تلك الحقوق، ومن ثم إيرادات المنظمات الرياضية. وعلى الرغم من أن القوانين الوطنية توفر خيارات مختلفة لمكافحة قرصنة الإشارات تتضمن إغلاق المواقع الإلكترونية غير المشروعة في بعض البلدان، فإن هيئات البثّ مارست ضغوطاً من أجل الحصول على حماية قانونية أفضل على الصعيد الدولي.
وقد أقامت الرياضة مجتمعات عالمية تشمل مؤيدين يشجعون الأفرقة في أرجاء بعيدة من العالم؛ وقد لا تسنح الفرصة إطلاقا للعديد من المشجعين لتشجيع أفرقتهم في ملاعبها الوطنية – إلا أن تأييدهم أصبح اليوم مهما بالنسبة إلى الأفرقة.
وعلى غرار ذلك، اكتسب قطاع الرياضة بعداً تجارياً عالمياً إذ بات يخلق فرص عمل ويوفر سبل العيش لموظفي هيئات البثّ وتجار الملابس وغيرهم في جميع أنحاء العالم – مما يؤكّد أن الملكية الفكرية ملك للجميع.