التكنولوجيا القابلة للارتداء وعالمها الرائع الجديد: ما هي آثارها على الملكية الفكرية؟
بقلم: إيما بول، مسؤولة بحوث تنفيذية، الويبو
في حين أنَّ استخدام التكنولوجيا القابلة للارتداء هو أحدث الاتِّجاهات في مجال التكنولوجيا، فهو في الوقت ذاته واحد من أقدمها - فنحن نرتدي أشياء تؤدي وظيفة عملية منذ اخترع صانعو الساعات مثل ’بيتر هنلاين‘ (Peter Henlein) الساعات المحمولة في القرن السادس عشر. والآن، فإنَّ قطاع التكنولوجيا القابلة للارتداء، الذي يتألَّف من الساعات المتعددة الوظائف وعدَّادات الخطوات وأجهزة رصد معدَّل ضربات القلب وأجهزة التتُّبع باستخدام النظام العالمي لتحديد المواقع، والذي يقدِّر البعض أنَّ حجمه يمكن أن يصل إلى 42 مليار دولار في غضون خمس سنوات، يبشِّر بثورة في مجالات التسويق والبيع بالتجزئة واللياقة البدنية والطب. ويستكشف هذا المقال الطريقة التي ستجري بها تلك الثورة، ويشير إلى بعض المسائل المتعلقة بالملكية الفكرية والتي قد تنشأ مع نضوج هذا القطاع.
ما هي التكنولوجيا القابلة للارتداء؟
تنطوي التكنولوجيا القابلة للارتداء على ابتكارات مثل الحواسيب والأجهزة القابلة للارتداء؛ وتكنولوجيا الواقع المعزَّز؛ وتكنولوجيا الواقع الافتراضي. ويهيمن على سوق التكنولوجيا القابلة للارتداء حاليًا عدد صغير من الأجهزة: النظَّارات الذكية والساعات وأساور اللياقة البدنية، والتي يتفاعل كثير منها مع الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية عن طريق تطبيقات لتتبُّع فترات نوم المستخدمين وصحتهم وحركتهم، وهو ما يشكِّل اتِّجاهًا جديدًا يُعرف باسم "القياس الكمِّي للذات". وتصف شركة ’دلويت‘ (Deloitte) القطاع بأنَّه "سوق متخصص ضخم" سوف يدرُّ نحو 3 مليار دولار في هذه السنة وحدها.
مسائل متعلقة بالملكية الفكرية منذ البداية
لقد بدأ "سباق التسلُّح بالملكية الفكرية" في قطاع التكنولوجيا القابلة للارتداء. وتُنظر الآن في الولايات المتحدة أول دعوى قضائية تخصُّ براءة اختراع في هذا القطاع، حيث تقاضي شركة ’أديداس‘ شركة ’أندر آرمور‘ (Under Armour) بشأن تطبيق ’ماب ماي فيتنيس‘ (MapMyFitnesss) الذي أنتجته الأخيرة؛ في الوقت الذي تسعى فيه شركات التكنولوجيا، مثل ’غوغل‘، إلى الاستحواذ على براءات الاختراع وتكوين ترسانات منها. ففي عام 2013 وحده، مُنحت ’غوغل‘ أكثر من 2,000 براءة اختراع في الولايات المتحدة، وهو ما يبلغ تقريبًا ضعف إجمالي عدد براءات الاختراع الممنوحة للشركة في جميع الأعوام السابقة، وبما يشمل براءة اختراع عن "نظام لتعقُّب اتِّجاه النظر".
وفي حين أنَّ قطاع التكنولوجيا القابلة للارتداء لا يزال في طور الطفولة الأولى، فإنَّه سيثير عددًا من التحديات فيما يتعلق بالملكية الفكرية. ومع ذلك، يبدو من المرجَّح أنَّ هذه التحديات ستسير وفق نفس النمط الذي نشأ عن الابتكارات في قطاعي الهواتف النقَّالة وأشباه الموصِّلات. وإذا جرى ذلك، فإنَّ اتساع نطاق البراءات التي مُنحت بالفعل ونوعية هذه البراءات قد يثيران القلق. وتثير مسألة صلاحية براءات الاختراع الرديئة النوعية نقاشًا محتدمًا في الولايات المتحدة، وهي الآن مطروحة للإصلاح. وفي المقابل، سوف تتأثَّر معايير صناعة التكنولوجيا القابلة للارتداء بالتطورات الأخيرة على الصعيدين الوطني والدولي – على سبيل المثال في الولايات المتحدة وأوروبا - فيما يتعلق ببراءات الاختراع الضرورية لتنفيذ المعايير القياسية واتفاقات الترخيص القائمة على شروط منصفة ومعقولة وغير تمييزية (انظر المربع أدناه). كما يمكن أن تنشأ صعوبات في حال سارت بلدان أخرى على نهج ألمانيا ونيوزيلندا في التشكيك في أهلية البرمجيات لبراءات الاختراع.
عن الشروط المنصفة والمعقولة وغير التمييزية
حرصًا على التوافق بين الأجهزة المصنَّعة من قبل شركات مختلفة وإمكانية التشغيل المتبادل فيما بين تلك الأجهزة، توضع معايير قياسية للقطاع الصناعي، بحيث يتوجَّب، على سبيل المثال، ترخيص البراءات الممنوحة عن تكنولوجيات لا غنى عنها في تنفيذ أحد هذه المعايير للأطراف الثالثة وفقًا لشروط منصفة ومعقولة وغير تمييزية. وتُصمَّم هذه الشروط بهدف التمكين من نشر التكنولوجيات الموحَّدة بسلاسة وعلى نطاق واسع، مع الإبقاء في الوقت نفسه على العوامل التي تحفِّز الشركات على الابتكار والمشاركة في عمليات التوحيد.
وعلى ذات المنوال، سوف تنشأ مسائل عويصة بشأن عمل العلامات التجارية في هذا القطاع، ولا سيما فيما يتعلق بكيفية التعامل مع العلامات التجارية المتنافسة في الولايات القضائية المختلفة، والتوسيم في البيئات الافتراضية، وإنفاذ قوانين العلامات التجارية فيما يتعلق بنظام أسماء النطاقات الذي لا يفتأ يزداد اتساعًا.
التصميم: التماهي بين الشكل والوظيفة
جرت العادة فيما يخصُّ الملكية الفكرية على التمييز بوضوح بين قوانين التصاميم وقوانين البراءات، وهو ما يمكن أن يستفيد منه قطاع التكنولوجيا القابلة للارتداء. وكما قال ’ستيف جوبز‘ ذات مرة عن التصميم: "التصميم لا يقتصر على مظهر الشيء أو ملمسه. التصميم هو الطريقة التي يعمل بها". وتتبدى مسألة التماهي بين الشكل والوظيفة في التكنولوجيا القابلة للارتداء في أوضح صورها في التفاعل المتزايد بين صناعتي التكنولوجيا والأزياء. فقد استقدمت شركات التكنولوجيا مسؤولين كبارًا من عالم الأزياء - حيث استقدمت ’أبل‘ مؤخرًا ’بول دينيف‘ (Paul Deneve) من بيت الأزياء ’إيف سان لوران‘ و’أنجيلا أرندت‘ (Angela Ahrendts) من بيت الأزياء ’بربري‘- وانخرطت الصناعتان معًا في شراكات وعمليات تعاون بهدف تصميم أزياء ذات طبيعة وظيفية - ومن ذلك الشراكة بين ’غوغل‘ وشركتي ’راي بان‘ و’أوكلي‘ والعمل الذي اضطلعت به ’أبل‘ مع منصة ’نايكي+‘ وأجهزتها. وتشمل المنتجات المتاحة حاليًا المجوهرات والملابس الرياضية الذكية، ولن يطول الزمن قبل أن تتوفر ملابس "ذكية" مصنوعة من ألياف موصِّلة يمكنها أن تتفاعل مع غيرها من الأجهزة أو أن تحدِّد أصالة المنتج.
وسوف تتأثر هذه التطورات الجديدة بما هو قائم من أوجه الغموض والاختلافات بين الأنظمة الدولية لحماية الملكية الفكرية للتصميمات الثلاثية الأبعاد للملابس والأحذية. كما أنَّ عدم الوضوح فيما يتعلق بحماية التصميمات غير المسجَّلة والتصميمات الافتراضية يمكن أن يؤثِّر على الابتكار في هذا القطاع، إلا أنَّ الأشكال الحالية لحماية الملكية الفكرية (مثل العلامات التجارية أو براءات الاختراع) يمكن أن تسدَّ هذه الفجوة.
المرحلة التالية: تعزيز الحياة
سوف تتألف الموجة المقبلة من التكنولوجيا القابلة للارتداء التي سيطلقها المصنِّعون في الأسواق من أجهزة تشتمل على تكنولوجيا الواقع المعزَّز أو تكنولوجيا الواقع الافتراضي. وتنطوي كلتا التكنولوجيتين على بيئة ينشئها الحاسوب – ففي تكنولوجيا الواقع المعزَّز، تتداخل تلك البيئة مع العالم الحقيقي (مثال: نظارات ’غوغل‘)، أمَّا في تكنولوجيا الواقع الافتراضي، فينغمس المستخدم في تلك البيئة تمامًا (مثال: خوذة الواقع الافتراضي ’أوكيولوس ريفت‘(Oculus Rift)).
ويمكن أن تساعد الأجهزة المزوَّدة بتكنولوجيا الواقع المعزَّز في تحسين الكفاءة والسلامة والإنتاجية في مجالي خدمة العملاء والخدمات اللوجستية، كما يمكن أن يستخدمها الأطباء أثناء تقديم الاستشارات أو إجراء العمليات الجراحية. وقد صُممَّت أولى الأجهزة المزوَّدة بتكنولوجيا الواقع الافتراضي في معظمها لبيئات الألعاب، ولكن بعد فترة من الزمن يمكن أن تتيح لنا جميعًا التحدث عبر القارات، أو أن تكفل للمتخصصين التفاعل عن بعد مع أجهزة لإجراء العمليات الجراحية أو إبطال مفعول القنابل أو استكشاف المناطق التي يتعذر الوصول إليها.
الشاشات الثانية والبث الشخصي
يوفِّر كلًا من الواقع المعزَّز والواقع الافتراضي للمستهلكين طرقًا جديدة تمامًا لتلقِّي المحتوى. فأجهزة الواقع الافتراضي يمكن أن تغير من مفهوم البثِّ بتمكين المستخدمين من حضور المناسبات المذاعة على الهواء، مثل المباريات الرياضية والحفلات الموسيقية أو المحاضرات الجامعية، في البيئة الافتراضية. ويمكن أن تؤدي مشاهدة أي برنامج تلفزيوني أثناء ارتداء جهاز يعمل بتكنولوجيا الواقع المعزَّز إلى ظهور محتويات ذات صلة على الجهاز (على غرار تجربة 'الشاشة الثانية' في تطبيقات الهاتف المحمول التي تقدم محتويات ذات صلة للمشاهدين). وقد تؤدي قراءة كتاب أو كتاب إلكتروني إلى تشغيل وظيفة بحث أو فتح تطبيق القاموس.
ومن المرجَّح أن يكون لهذه الطرق الجديدة في التفاعل مع المحتوى الإبداعي آثار خطيرة على نظام حق المؤلف. فمن الممكن تسجيل أي فيلم أو برنامج أو بثه مباشرة عبر الإنترنت بصورة مستترة. وسوف يكاد يكون من المستحيل رصد حق المؤلف فيما يتعلق بانتشار المحتويات ذات الصلة؛ وسوف يكون تعقب الانتهاكات الافتراضية أمرًا صعبًا؛ والحصول على أدلة بشأن هذه الانتهاكات أمرًا أكثر صعوبة. وحين يكون بإمكان أي شخص تسجيل أي شيء في أي وقت، سيصبح مفهوم الاستخدام العادل أو التعامل العادل أيضًا مسألة شائكة.
طمس الحدود بين الجسد والتكنولوجيا
سوف تطمس التكنولوجيا القابلة للارتداء أيضًا الحدود بين جسم الإنسان والتكنولوجيا. وقد أذكى استخدام الأشخاص ذوي الإعاقة للتكنولوجيات المساعِدة (بما في ذلك الأطراف الاصطناعية المتقدمة التي يستخدمها رياضيون مثل ’إيمي مولينز‘ (Aimee Mullins) والتطور الجذري في عمليات زرع قوقعة الأذن) الحوار المستمر بشأن استخدام التكنولوجيا لتعزيز القدرات البشرية. وكلما أصبحت الأجهزة الجديدة جزءًا منَّا على نحو أكثر ديمومة (على رؤوسنا – مثل ’سمارت ويغ‘ (SmartWig) التي تصنعها ’سوني‘ - أو موشومة على أجسادنا - مثل خطط ’موتورولا‘ لإنتاج وشم يشبه الملصقات ويتضمن كلمات سر من أجل التحقق من الهوية)، تنشأ إمكانيات جديدة تستخدم أجهزة الاستشعار عن بعد، على سبيل المثال، لتتبع الفئات الضعيفة مثل الأطفال أو المصابين بالخرف، أو تستخدم بيانات المواقع الجغرافية في إجراء تحليلات الصحة العامة أو التحليلات الاجتماعية.
وسوف تُثار أيضًا تساؤلات بشأن استخدام التكنولوجيا الموجودة معنا طيلة الوقت - بشأن آثار قدرات التعرف على الوجه المزوَّدة بها الأجهزة القابلة للارتداء على الخصوصية، والآثار الأمنية المترتبة على التكنولوجيا المثبَّتة في أجسادنا. ويمكن أن تنشأ مسائل أكثر تعقيدًا فيما يتعلق باستخدام تكنولوجيا الشعور باللمس في الأجهزة القابلة للارتداء، الأمر الذي يمكن أن يطمس الحد الفاصل بين اللمس الفعلي والافتراضي.
كما أنَّ طرق التفاعل الجديدة، التي تُستحدث من أجل هذه الأجهزة، سوف تثير مسائل خاصة بها فيما يتعلق بالملكية الفكرية. وحركات اليد جانب هام من استخدامنا للتكنولوجيا (مثل قبض الأنامل أو تمريرها)؛ وهناك بالفعل طلبات مقدَّمة للحصول على براءات عن حركات اليد وتسجيلها بعلامات تجارية. ومن الممكن أن نتخيل ظهور تجارة مربحة بسبب استحداث نوع جديد تمامًا من المحتوى الإبداعي – فقد يكون مصممو الرقصات على وشك الانضمام إلى صفوف الأغنياء.
التعلُّم والمساعدة – معلومات مثالية لإسداء مشورة مثالية
سوف تحقق التكنولوجيا القابلة للارتداء إمكاناتها الكاملة حين تنتقل التكنولوجيا من مرحلة الأجهزة التي ترصدنا إلى مرحلة المنصات التي تستخدم البيانات التي ينتجها هذا الرصد لإسداء المشورة المُعدَّة خصيصًا لنا (أو لاستهدافنا بالتسويق لمنتجات بعينها). وتنطوي هذه التكنولوجيا على إمكانات استثنائية: فسوف توجِّهنا الأجهزة إلى حضور الاجتماعات؛ وتحسِّن إنتاجيتنا؛ وتطلعنا على التهديدات الأمنية؛ وتعطينا الدواء وتسيطر على آلامنا وتعيد قلوبنا إلى العمل بعد توقفها. كما أنَّ الأجهزة سوف تتفاعل مع شبكة إنترنت الأشياء الآخذة في الاتساع (انظر المربع أدناه): فتتولى إيقاف أجهزة الإنذار وتدفئة المنزل وفتح باب المرآب. وبالفعل، يمكنك الآن فتح صندوق السيارة بتمرير قدمك تحت مؤخرة السيارة فحسب.
ولكنَّ المشكلة هي أنَّه حتى يتسنى لتلك المنصَّات أن تتوقع ما نحتاج إليه، سيتعيَّن أن تكون قد تعلَّمت على نحو صحيح ما نفعله عادة. وهذا يعني أنَّ نوعيات تحليلات البيانات أو عدد المرات التي نرتدي فيها أجهزتنا أو لا نرتديها يمكن أن تؤدي إلى عدم دقَّة البيانات أو نقصها، ومن ثمَّ إلى أن تكون المشورة غير مفيدة.
ملكية البيانات
كلما تطور قطاع التكنولوجيا القابلة للارتداء وأتاح لشركات التكنولوجيا الحصول على المزيد من المعلومات بشأننا، سيكون من المثير للاهتمام أن ننظر في من يمتلك هذا الشكل الأحدث من الممتلكات غير الملموسة. وقد أطلق تقرير صادر من المفوضية الأوروبية عليها اسم ’بيانات الحياة‘، ووصفها بأنَّها تشمل المعلومات التي تحدِّد هويتنا الشخصية والمعلومات التي نرفعها عن أنفسنا على خدمات الإنترنت. وكما قال الشاعر ’تيد هيوز‘ ذات مرَّة "إني آمل أن يمتلك كل امرئ وامرأة منَّا حقائق حياته أو حياتها". وفي إطار بيئة رقمية تتيح فيها شركات التكنولوجيا استخدام الخدمات مجانًا مقابل أن تستخدم بياناتنا على نحو يكاد يكون غير محدود، قد لا يكون واضحًا على الإطلاق ما إذا كنَّا نمتلك حقائق حياتنا بالفعل.
وسوف يكون لأي حالة من عدم اليقين بشأن ملكية بيانات الحياة المشار إليها عواقب متعددة. وسوف يحظى التفاعل مع إنترنت الأشياء بأهمية خاصة - فهل ستتكون لنا ولأجهزتنا هوية واحدة من الناحية القانونية؟ وإذا سُرق أحد أجهزتنا، هل سيظل بإمكانه فتح باب المرآب في منزلنا؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، لماذا وكيف؟ وسوف تتصل هذه المسألة بالتشغيل المتبادل بين الأجهزة المختلفة، والكيفية التي يجري بها طلب أذون استخدام البيانات والمعلومات والحصول على تلك الأذون.
إنترنت الأشياء
سوف تنطوي الثورة الصناعية القادمة على أجهزة متصلة ببعضها البعض – أي منتجات صناعية تتمتع بالقدرة على معالجة البيانات ومتصلة لاسلكيًا ببعضها البعض. وتشمل شبكة "إنترنت الأشياء" هذه ثلاجةً أسطورية تطلب شراء المزيد من الحليب عندما يوشك على النفاد؛ وقطع غيار للطائرات يمكنها أن تنبِّه المهندسين إلى أنَّها بحاجة إلى الصيانة؛ وأنظمة تدفئة تعمل من تلقاء نفسها عندما يبلغها هاتفك المحمول بأنَّك قد اقتربت من الوصول إلى المنزل.
وقد بدأ بالفعل استكشاف الآثار القانونية الناشئة من استخدام التكنولوجيا أو ارتدائها: من سائق يزعم أنَّ نظارة ’غوغل‘ قد شتَّتت انتباهه، إلى احتمالية أن يتحمل شخص يرسل رسائل نصية إلى سائق مسؤولية الحوادث التي يمكن أن يتسبب فيها هذا السائق. وتقرَّر مؤخرًا في أستراليا أنَّ وصية متوفٍ وُجدت على هاتف محمول صحيحة من الناحية القانونية. فهل ستكون البيانات المرفوعة من أجهزة قابلة للارتداء دليلاً على إبرام العقود والاتفاقات، وتسجيل الوصايا، بل وعلى النشاط الإجرامي؟ ومن سيعطي الإذن باستخدام هذه البيانات المرفوعة كأدلة - الشخص الذي أنشأها، أم شركة التكنولوجيا التي تستفيد منها ماليًا؟
وقد تكون لبيانات حياة بعض الأفراد قيمة مالية أكبر من بيانات حياة الآخرين (فهي طريقة جديدة لمتابعة أخبار نجمك المفضَّل). فهل سيكون لدينا شكل من أشكال حق المؤلف فيما يتعلق ببيانات حياتنا، وإن كان الحال كذلك، فمتى سوف ينشأ هذا الشكل؟ وقد تكون لهذا الأمر أهمية خاصة بالنظر إلى أنَّ التكنولوجيات الرقمية مثل التكنولوجيا القابلة للارتداء سوف "توسِّع نطاق مفهوم التعاون إلى حد كبير" عن طريق إتاحة أشكال معقَّدة من التعاون الآني بين الناس (وبين الناس والآلات) في جميع أنحاء العالم. وسوف تكون معرفة كيفية قياس هذه المساهمات كميًّا أمرًا حاسمًا في تحديد قيمتها الاقتصادية.
وأخيرًا، فسوف يكون تجميع بيانات حياة جماعات بعينها أو مجتمعات بأسرها أمرًا قيمًا للغاية لكل من القطاعين الخاص والعام. فكيف ستضمن الحكومات أنَّ لديها إمكانية الوصول إلى بيانات حياة الأفراد لاستخدامها في أغراض المصلحة العامة ومبادرات الصحة العامة؟
المستقبل
في حين أنَّه من الواضح أنَّ هذه التكنولوجيات يمكن أن تحقِّق مكاسب هائلة للأعمال التجارية، فإنَّه من غير الواضح تمامًا لماذا وكيف ستكون ذات فائدة لمعظم المستهلكين. ويظل معدَّل اقتناء هذه الأجهزة متواضعًا - حيث يُقدَّر عدد من يمتلكون ساعة ذكية الآن بين سكان المملكة المتحدة بأقل من 1%.
وهناك شواغل أخرى: محدودية عمر البطارية، وتهيُّج الجلد نتيجة لملامسة الأجهزة، وأمن البيانات، والقلق من التكنولوجيا المتطفلة. وقد وصف ’جارون لانيير‘ (Jaron Lanier)، وهو أحد المبتكرين الرواد في مجال الواقع الافتراضي، "إحساسه بالقشعريرة" إزاء شركات التكنولوجيا التي تستخدم وقائع حياتنا بهدف تسويق منتجاتها لنا. وفي رواية "الدائرة"، يرسم ’ديف إغرز‘ (Dave Eggers) واقعًا مريرًا في عالم تهيمن عليه التكنولوجيا القابلة للارتداء، تُعتبر فيه "الخصوصية سرقة". إنَّ عزوف مواطني العالم الرقمي عن ارتداء الساعات قد يحول دون انتشار الساعات الذكية، وأحلام أجهزة التريكوردر وشارات التواصل التي تخيلَّها مسلسل ’ستار تريك‘ تحقَّقت بالفعل عن طريق الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية.
ومن ثمَّ فإنَّ مستقبل قطاع التكنولوجيا القابلة للارتداء صفحة بيضاء، تتوازن فيها هذه الشواغل مع الإمكانات الكبيرة التي تنطوي عليها تلك التكنولوجيا. ولعلَّ شرح النمو البطيء الذي يشهده القطاع أمر يسير: فقد لا يكون المستهلكون مستعدين بعد لاستخدام الوظائف الكاملة التي تقدمها التكنولوجيا القابلة للارتداء. وقد عملت شركة ’أبل‘ على تكنولوجيا ’اللمس المتعدد‘ لفترة طويلة قبل أن تنتج حاسوبها اللوحي ’آي باد‘، ولكنها لم تطرح تلك التكنولوجيا في الأسواق حتى نشأ بين المستهلكين فهم غريزي بشأن الكيفية التي يمكن أن تفيدهم بها تلك التكنولوجيا. وحيث إنَّه لا بد لنا من أن نركض قبل أن نتعلم المشي، فربما سوف نُضطر إلى استيعاب أجهزة التتبع والتعزيز والتعلُّم قبل أن يمكنها أن تساعدنا حقًا. أم تُرانا سنفقد حماسنا لهذه الأجهزة الجديدة – فكم من أساور اللياقة البدنية وأجهزة رصد معدل ضربات القلب ملقاة بالفعل على الرفوف يعلوها الغبار بين مجموعات العُدد الرياضية المخصَّصة لمن هم في فترة منتصف العمر؟
الغرض من مجلة الويبو مساعدة عامة الجمهور على فهم الملكية الفكرية وعمل الويبو، وليست المجلة وثيقة من وثائق الويبو الرسمية. ولا يراد بالتسميات المستخدمة وبطريقة عرض المادة في هذا المنشور بأكمله أن تعبر عن أي رأي كان من جهة الويبو بشأن الوضع القانوني لأي بلد أو إقليم أو منطقة أو سلطاتها أو بشأن تعيين حدودها أو تخومها. ولا يراد بهذا المنشور أن يعبر عن آراء الدول الأعضاء أو أمانة الويبو. ولا يراد بذكر شركات أو منتجات صناعية محددة أن الويبو تؤيدها أو توصي بها على حساب شركات أو منتجات أخرى ذات طبيعة مماثلة وغير مذكورة.