مركز حق المؤلف بالمملكة المتحدة: منصة الإبداع
ريتشارد هوبر، رئيس مؤسسة مركز حق المؤلف، المملكة المتحدة
ثمة خطاب سياسي متكرر في العديد من البلدان يرى أن حل المشاكل المتعلقة بحق المؤلف في العصر الرقمي يكمن في تغيير قانون حق المؤلف، ولا يرى غير ذلك. وهذا يؤدي إلى نشوب معركة ضارية بين القوى المناصرة لحق المؤلف وتلك المناهضة لها، ويجد السياسيون أنفسهم في مرمى النيران.
هكذا كان الحال في المملكة المتحدة، ولكن منذ 5 سنوات طلبت منّي الحكومة البريطانية أن أنفذ توصية صادرة عن الاستعراض الهام الذي أجراه الأستاذ إيان هارجريفز لحق المؤلف. وهي تتعلق بتنفيذ بورصة لحق المؤلف الرقمي لتيسير ترخيص حق المؤلف. وتتلقى البورصة، والتي تُدعى حاليًا "مركز حق المؤلف"، التوجيه والإدارة من مؤسسة مركز حق المؤلف غير الربحية التي تتخذ من لندن مقرًا لها، والتي أرأسها. وقد نُفذت مرحلة "إثبات المفهوم" الأولى بتمويل من الصناعات الإبداعية في المملكة المتحدة واستراليا والولايات المتحدة الأمريكية وشركة جوجل التكنولوجية بجانب تمويل الحكومة البريطانية.
الترخيص الثانوي/تراخيص التصاريح
يركز مركز حق المؤلف الآن على ما يُدعى "الترخيص الثانوي" أو "تراخيص التصاريح"، على سبيل المثال إذا أردت أن أضع قطعة موسيقية معينة في فيديو زواج ابنتي أو إذا أردت أن أستعين بصورة ما في موقع إلكتروني ما. ولا يتعلق ذلك بالترخيص الأساسي، على سبيل المثال عندما يعطي مؤلف ترخيصًا لناشر لنشر روايته القادمة. ولا يتعلق أيضًا بتراخيص المستهلك، على سبيل المثال الصورة الأولى في اسطوانة الدي في دي التي تخبر المستهلكين بما لا يُسمح لهم بفعله، كأن يفرضوا رسوم دخول على من يشاهد محتواها. بل يتعلق بإعادة الاستخدام القانونية والصحيحة للمصنفات المحمية بحق المؤلف بغية ابتكار مصنفات حق مؤلف جديدة.
وراء الكواليس
في 2012، أصدرت أنا والدكتور روس لينش، وهو الموظف المدني البريطاني المكلف بالمساعدة في تنفيذ توصية هارجريفز، تقريرًا تشخيصيًا. وكان هدفنا ضمان الوصول إلى فهم واضح للمشاكل المرتبطة بترخيص حق المؤلف وكيف يمكن التغلب عليها من خلال بورصة لحق المؤلف الرقمي. وبينما حدد التقرير مجموعة كبيرة من المشاكل في المجالين التناظري والرقمي، برزت قضيتان رئيسيتان: رداءة البيانات ورداءة معاملة التراخيص.
بينما يعد المستخدمون والمبتكرون في العالم التناظري فصيلتين مختلفتين، إلا أن العالم الرقمي يُوحّد هاتين الفصيلتين، المستخدمون صاروا مبتكرين، والمبتكرون صاروا مستخدمين.
فقد اتسمت البيانات التي تستعين بها الصناعات الإبداعية في تعقب المصنفات ومبتكريها أو مالكي حقوقها بالرداءة. وقد لا يسبب ذلك مشكلة في العالم التناظري حيث الأعداد الصغيرة لمعاملات التراخيص العالية القيمة وذات تكاليف المعاملات العالية. ولكن البيانات الرديئة تسبب مشكلة في المعاملات الكبيرة الحجم ذات القيمة المنخفضة والتي هي سمة العالم الرقمي. لماذا؟ لأن المبتكرين لا يُدفع لهم كما يجب دائمًا. ولأنه حسبما أوضحت الأبحاث لاحقًا، ثلث المستخدمين الذين يرغبون في إعادة استخدام المحتوى المحمي بحق المؤلف لا يستطيع أن يعثر على صاحب الحق، ومن ثم فهم إما أنهم لا يعيدون استخدام المصنف أو يقرصنوه. وكلاهما نتيجة سلبية للغاية يسعى مركز حق المؤلف إلى معالجتها.
وقد وجدنا أيضًا أن مرخّصي الحقوق في العالم التناظري لا يعاملون المرخص لهم على نحو ملائم لهم كمنتفعين. على سبيل المثال، قبل خمس سنوات كان لزامًا على المدارس الإنجليزية أن تتعامل مع ما يصل إلى 12 وكالة مختلفة لترخيص حق المؤلف. وهو أمر غير معقول أن يضطر القائمون على إدارة المدرسة إلى ذلك. وعندما يشتكون إلى السياسيين المحليين بشأن هذا الأمر تزداد الضغوط لمعاملة التعليم "كاستثناء" في قانون حق المؤلف. وإن حدث ذلك ستنخفض عائدات من يرخّصون المواد وعائدات الصناعات الإبداعية ككل.
وفي يوليو 2012، نشرت أنا والدكتور لينش تقريرنا المستقل النهائي، والذي أوصى بإنشاء مركز لحق المؤلف تقوده الصناعات الإبداعية (الصور والمواد السمعية البصرية والموسيقى والنشر) وتكون مهمته معالجة المشاكل الكبرى التي حُددت.
واليوم، يؤدي مركز حق المؤلف ثلاث وظائف:
- يقوم مقام منصة تكنولوجية؛
- ويقوم مقام منتدى للنقاش؛
- ويدعم تعليم حق المؤلف.
مركز حق المؤلف كمنصة تكنولوجية
يُخصص ما نسبته 90% من الموارد المحدودة للغاية المتاحة لمركز حق المؤلف حاليًا لفائدة منصته التكنولوجية المفتوحة المصدر، والتي تيسر كثيرًا ترخيص المحتوى الرقمي عبر الإنترنت من قبل الغير، مع تكاليف معاملات تقترب من الصفر. فسوق التراخيص الكبيرة الحجم المنخفضة القيمة يصير لا جدوى منه إن لم تكن تكاليف المعاملات لا تُذكر. وقد أخبرني الرئيس التنفيذي لمطبعة جامعة كامبريدج في 2012 أن العبء الإداري وتكاليف المعاملات فيما يخص إيجاد تصريح لاستخدام صورة ما في منشور ما والحصول على هكذا تصريح غالبًا ما يفوقان بدرجة كبيرة العائد المتحصل من استخدام الصورة!
كيفية العمل
إن فكرة مركز حق المؤلف كمنصة تكنولوجية سهلة. فالمصنفات المحمية بحق المؤلف والموجودة على الإنترنت، كالصور أو القطع الموسيقية، تُعطى معرّفًا فريدًا. ومن يريد أن يعيد استخدام هذه الصورة أو تلك القطعة الموسيقية يستطيع بنقرة بسيطة بزر الماوس الأيمن أن يقيم اتصالاً مع حاسوب صاحب الحقوق أو المبتكر، والذي لديه أيضًا معرف "طرف" فريد. هكذا يكون "الحل". فالآن بوسع صاحب الحقوق أو المبتكر أن يوفر تراخيص قياسية، من حاسوب إلى حاسوب، لإعادة الاستخدام التي تتطلب دفع رسوم أو إقرارًا ملائمًا.
فالعديد من المبتكرين يسره تمكين إعادة استخدام مصنفه مقابل إقرار بسيط وكتابة اسمه بشكل صحيح. وإذا قبل من يعيد الاستخدام شروط الترخيص ودفع، إن لزم، الرسوم المطلوبة، فإن المصنف المبتكر حديثًا يكتسب مُعرّف ترخيص يشير إلى ابتكاره بطريقة قانونية وبالتصاريح اللازمة. ويكون لكل من المصنف والمبتكر والترخيص معرّف فريد، ومن خلال هذه المعرّفات تُنظّم عملية إعطاء تراخيص التصاريح الثانوية عبر الإنترنت. وذلك من شأنه أن يقلل إلى حد كبير التعقيدات وتكاليف المعاملات التي كانت بمنزلة عقبات كبيرة أمام عصرنة ترخيص حق المؤلف فيما مضى.
وقد أحرزنا تقدمًا كبيرًا في تنفيذ المنصة التكنولوجية لمركز حق المؤلف في قطاع الصور. فاليوم، ثمانية مرافق عامة تستخدمه، بما في ذلك مكتبة صور جامعة أوكسفورد ومكتبة صور فور كورنرز. ومؤخرًا، بدأ أول مرفق عام في القطاع السمعي البصري، والذي يتضمن المعهد البريطاني للأفلام وموقع TVARK، في استخدام هذه التكنولوجيا. ويوجد في قائمة انتظار التنفيذ ما يزيد عن مائة "حالة استخدام" أو طلب مقدم إلى مركز حق المؤلف من جميع القطاعات الإبداعية الأربعة. وستكون حالة الاستخدام التي سيُكشف عنها في المرحلة المقبلة من صناعة الموسيقى. ونحن نرى أننا بفضل معدل الاستيعاب هذا استطعنا أن نثبّت مفهوم مركز حق المؤلف وأن نقطع شوطًا كبيرًا في تحويل الكلام إلى أفعال.
مركز حق المؤلف كمنتدى
إن مركز حق المؤلف لديه فرق عاملة تتعاون مع القطاعات الأربعة المعنية في حل مشاكل معينة خاصة بالترخيص، لا سيما المشاكل التي تنشأ في المجال التناظري. على سبيل المثال ساعد الفريق العامل المعني بالتراخيص التعليمية على نحو بارع في حل مشكلة المدارس الإنجليزية المشار إليها أعلاه عن طريق توجيه وكالات الترخيص نحو العمل معًا، مما أدى إلى توفير الوقت والمال لها وللمدارس.
تعليم حق المؤلف
يدعم مركز حق المؤلف أيضًا تعليم حق المؤلف من خلال موقعه الإلكتروني، www.copyrighthub.org. غير أننا نزداد يقينًا يومًا بعد يوم بأن منصة مركز حق المؤلف التكنولوجية قد تكون هي نفسها النموذج الأمثل لتعليم حق المؤلف لأنها تُتيح التعليم عن طريق الفعل. فلنتخيل مُدرّسة تحث تلاميذها على كتابة القصائد. فما عليها سوى أن تدخل على الإنترنت لتريهم كيف يمكنهم أن يحصلوا على معرّف فريد لهم ولكل قصيدة كتبوها وكيف يُقيمون تراخيصًا قياسية لإعادة الاستخدام. وهكذا صار الغرض من حق المؤلف فجأة ينبض بالحياة. فالتلاميذ يتعلمون بالتجربة الفعلية أنهم حين يبتكرون شيئًا عليهم أن يتولوا مسئولية ما يحدث له، وأن مركز حق المؤلف يجعل ذلك ممكنًا. وبينما يعد المستخدمون والمبتكرون في العالم التناظري فصيلتين مختلفتين، إلا أن العالم الرقمي يُوحّد هاتين الفصيلتين، المستخدمون صاروا مبتكرين، والمبتكرون صاروا مستخدمين.
الخطوات التالية
بعد إثبات المفهوم وحشد اهتمام كبير في الصناعات الإبداعية وفي أوساط واضعي السياسات في لندن وبروكسل وجنيف وسيدني وواشنطن العاصمة، الخطوة التالية هي خلق كتلة حرجة. فهدفنا كما يقول جيف بيزوس مؤسس أمازون هو أن "ننمو نموًا كبيرًا بسرعة". ولكن لكي ننجح في ذلك، فنحن بحاجة إلى تمويل رصين من القطاعين العام والخاص لضمان تحويل المزيد والمزيد من حالات الاستخدام إلى مرافق عامة، سواء في المملكة المتحدة أو عالميًا. فسوق المحتوى الرقمي سوق عالمية والإنترنت عالمية، لذلك علينا أن نزيد الوعي العالمي بمزايا نهج مركز حق المؤلف. فالفكرة برمتها ستموت إن لم تخرج من شرنقة المملكة المتحدة.
وعلى مركز حق المؤلف بوصفه مؤسسة أن يضمن إدارة السوق التي ترعاه التكنولوجيا إدارة سليمة. على سبيل المثال، ماذا يحدث إذا صارت ملكية مصنف ما محل نزاع؟
إن السوق الذي سينشأ من الاستيعاب الكبير لمركز حق المؤلف سيُكتب له النجاح فقط إذا حظي بالثقة الكافية وإذا كان المستخدمون واثقين من أنك الشخص الذي تدعيه وأنك المالك الشرعي للحقوق المترتبة على أي مصنف إبداعي. ومن ثم على مؤسسة مركز حق المؤلف أن تبني هذه الثقة وتحافظ عليها.
الخطاب السياسي ـ التغيير يلوح في الأفق
ثمة شعور بأنه بعد خمس سنوات سيتمكن مركز حق المؤلف بتعاونه مع الصناعات الإبداعية والشركات التكنولوجية والحكومات من البدء في تغيير الخطاب السياسي إلى الأفضل. نعم، توجد مشاكل مرتبطة بحق المؤلف في العصر الرقمي. وعلى الشركات الإبداعية والتكنولوجية أن تحدد هذه المشاكل وأن تفعل شيئًا حيال ذلك. ولكن تبيّن أن العديد من المشاكل لا يستلزم تغيير قانون حق المؤلف. بل يستلزم آليات ترخيص ومنظمات جديدة ومحسّنة. فأنت إن عصرنت المشهد الترخيصي ووفرت خدمات أكثر وأفضل للمستهلكين، ستدر عائدات أكبر للمبتكرين وستقلل التعدي على حق المؤلف. وحتى لو استمر المعسكران المؤيد لحق المؤلف والمعارض له في التناحر، وهو أمر من غير المرجح أن يتغير، ستنحسر حدة المعركة وسيربح الجميع.
الغرض من مجلة الويبو مساعدة عامة الجمهور على فهم الملكية الفكرية وعمل الويبو، وليست المجلة وثيقة من وثائق الويبو الرسمية. ولا يراد بالتسميات المستخدمة وبطريقة عرض المادة في هذا المنشور بأكمله أن تعبر عن أي رأي كان من جهة الويبو بشأن الوضع القانوني لأي بلد أو إقليم أو منطقة أو سلطاتها أو بشأن تعيين حدودها أو تخومها. ولا يراد بهذا المنشور أن يعبر عن آراء الدول الأعضاء أو أمانة الويبو. ولا يراد بذكر شركات أو منتجات صناعية محددة أن الويبو تؤيدها أو توصي بها على حساب شركات أو منتجات أخرى ذات طبيعة مماثلة وغير مذكورة.