حقوق الملكية الفكرية: موجهة الرياضة في العالم
بقلم مارك ليشتينهين، رئيس تحالف أصحاب الحقوق الرياضية
"الجميع يفعلون ذلك"، "إن الأمر لا يسبب أي ضرر"، هذه من التعابير الشائعة التي تتكر عند مناقشة قضية البث غير القانوني للمحتوى الرياضي عبر الإنترنت. وهناك اعتقاد شائع بأن التعدي على الملكية الفكرية هو جريمة لا ضحية لها، لكن الأمر غير ذلك. ونحن نتطلع لحضور اليوم العالمي للملكية الفكرية الذي سيُقام في 26 أبريل، من المهم النظر في القيمة الحقيقية التي تجلبها حقوق الملكية الفكرية إلى قطاع الرياضي وإلى المغزى من ضرورة حمايتها على نحو فعال.
بصفتنا تحالفا لأصحاب الحقوق الرياضية، فإننا نمثل أكثر من 50 هيئة رياضية على المستوى الدولي والأوروبي والوطني تشتغل في أنواع مختلفة من الرياضات. وبهذا الشكل، فإننا نمثل سواء فرديا أو جماعيا، معظم الرياضات والمسابقات الدولية. وبالتالي فنحن في وضع يتيح لنا التشديد على أهمية حماية حقوقنا في الملكية الفكرية لنتمكن بذلك من تقديم أحسن الخدمات جمهورنا والمجتمع الرياضي ككل.
حماية الملكية الفكرية أصبحت أصعب أكثر من أي وقت مضى
كل سنة تمر إلا وتحمل معها صعوبات تدور حول الكيفية التي قد يُتعدى بها على حقوقنا في الملكية الفكرية، وهو ما يجعل حماية هذه الحقوق مهمة أصعب. ويرجع ذلك بقدر كبير إلى التطورات التكنولوجية الكبيرة التي رافقت السنوات الأخيرة والتي غيرت نمط استهلاك الأشخاص للمحتوى الترفيهي. وقد جعل توسع الإنترنت عالي السرعة في كل أنحاء العالم وانتشار الأجهزة النقالة وزيادة منصات البث عبر الإنترنت وتكنولوجيات التلفاز عبر بروتوكول الإنترنت (IPTV) تقفي الاستغلال غير القانوني لحقوقنا مسألة غاية في الصعوبة. لقد أصبح لزاما علينا الآن أن نقف في وجه آلاف المواقع التي تبث المحتوى بطريقة غير قانونية في الوقت الحقيقي. ويمكن لأي شخص يتوفر على الإنترنت أن ينفذ لهذه المواقع، وغالبا ما تعود على نحو سريع في نسخة أخرى إذا ما تعرضت للإيقاف. أضف إلى ذلك الأرباح الخيالية التي تجنيها هذه المواقع والوسائط المرتبطة بها من الإعلانات نتيجة للحجم الرهيب من الزيارات التي تتلقاها، وبالتالي فمن السهل استيعاب المغزى الذي جعل من البث غير القانوني مصدرا ضخما للربح. ولا شك أن استضافة هذه المواقع غير القانونية في مواقع مختلفة من العالم يتطلب مقاربة دولية منسقة.
يمثل بيع حقوق المسابقات الرياضية لوسائل الإعلام شريان الحياة للرياضات عل كل المستويات، انطلاقا من نخبة الرياضيين المحترفين ووصولا إلى الممارسين الهواة من القاعدة.
الاستثمار في القواعد الشعبية
غالبا ما تسلط عناوين الأخبار الضوء على المبالغ المالية الكبيرة التي ستسددها هيئات البث لتأمين حقوق بث المسابقات الرياضية، لكنها تغض الطرف عن المبالغ التي سيجنيها القطاع الرياضي ببيع هذه الحقوق.
ويمثل بيع حقوق المسابقات الرياضية لوسائل الإعلام شريان الحياة للرياضات عل كل المستويات، انطلاقا من نخبة الرياضيين المحترفين ووصولا إلى الممارسين الهواة من القاعدة. وأكدت اللجنة الأوروبية في العديد من المراسلات أن "استغلال حقوق الملكية الفكرية في مجال الرياضة، مثل الترخيص بإعادة نقل الأحداث الرياضية أو تسويقها يمثل مصدرا هاما للدخل بالنسبة للرياضات الاحترافية. ويذهب جزء من المداخيل المستمدة من هذه المصادر إلى المستويات الدنيا من السلسلة الرياضية".
ومرورا على مختلف الأسواق التي ينشط فيها أعضاؤنا، يتوقف الاستثمار في الرياضات الشعبية مباشرة وبشكل متناسب على قيمة حقوق المؤلف التي تحمي هذه الرياضات، خاصة الحقوق الإعلامية. وكشفت دراسة أجرتها المفوضية الأوروبية والمنظمات الشريكة لها عام 2011 أن الرياضات الشعبية في أوروبا تجني ما يقارب 500 مليون يورو كل سنة من بيع الحقوق الإعلامية. وخلصت إلى أن "حماية هذه المصادر على نحو فعال يعد مهما لضمان الاستقلالية في تمويل الأنشطة الرياضية في أوروبا".
ولا يكتسي ضمان قيمة الحقوق الإعلامية أهمية فحسب بالنسبة لمنظمي المسابقات الرياضية الاحترافية، وإنما له أهمية أساسية أيضا في استدامة الرياضات الشعبية والإسهام الإيجابي الكبير للرياضات في صحة الأشخاص ورفاههم. وإذا لم يقم منظمو الأحداث الرياضية الناجحة تجاريا بإعادة توزيع العائدات بالكامل، فمن شأن تطوير الرياضات الشعبية أن يواجه فقدان مصدر مهم للتمويل.
الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار
يستقطب أعضاؤنا الملايين من المتفرجين ويسعون لإشراك عشاق الرياضة عبر منصات تكنولوجية متعددة ولضمان نفاذهم إلى أي محتوى من اختيارهم بأعلى جودة معروضة. وبالنسبة لجمهور المشاهدين، تذهب الأموال التي يدفعونها لمشاهدة محتوى رياضي من مستوى عالي إلى كل مستضيفي الخدمات المكلفين بالمباراة أو اللعبة التي يرغبون في مشاهدتها.
وإلى جانب الرياضيين أنفسهم، هناك شبكة ضخمة من الأفراد الذين يعملون كجنود خفاء خلف الكواليس، ومجموعة واسعة من التكنولوجيات المستخدمة لضمان تقديم المحتوى بأعلى جودة ممكنة. ولابد من دفع ثمن مقابل هذه الخدمات. وأعضاؤنا فخورون بأنفسهم نتيجة للتجربة المتميزة والعصرية التي يقدمونها فيما يتعلق بمشاهدة الجمهور للأحداث الرياضية سواء بحضورها مباشرة أو مشاهدتها على التلفزيون أو عبر الإنترنت. ويدخل ضمن ذلك استخدام أحدث الكاميرات عالية الدقة، وتطوير الرسومات المتقدمة لعرض التحليلات حول الحدث الرياضي وتوظيف الخبراء والملمين لمناقشة ما يحدث داخل وخارج الملعب. وإذا تُعدي على حقوق الملكية الفكرية لمنظمي الأحداث الرياضية، فقد يندثر هذا المصدر القيِّم للعائدات، مما سيقلص من جودة المحتوى الذي يمكننا إنتاجه.
التقليد
إلى جانب الصعوبات التي تواجهنا بشأن حقوقنا في مجال البث، فقد كان لتصاعد التقليد وسرعة نسخ المحتوى وسهولة ذلك أثر كبير على عائدات أعضائنا. وقدرت دراسة حديثة أجراها مكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية فقدان صناعة السلع الرياضية ما معدله 6.5 في المائة من المبيعات و500 مليون يورو (ما يعادل 561.4 مليون دولار أمريكي) من العائدات كل سنة جراء التقليد. ويقابل هذه الأرقام فقدان 5 800 وظيفة مباشرة وغير مباشرة.
يعتمد أصحاب الحقوق الرياضية بشكل كبير على الحماية التي يوفرها قانون حق المؤلف لحماية المسابقات الرياضية من التعدي والحفاظ على قيمتها.
الحلول السياساتية الممكنة
كما تم التطرق إلى ذلك أعلاه بوضوح، يعتمد أصحاب الحقوق الرياضية بشكل كبير على الحماية التي يوفرها قانون حق المؤلف لحماية المسابقات الرياضية من التعدي والحفاظ على قيمتها. ولذلك فهناك حاجة ملحة لوضع إطار حق المؤلف الذي ينبغي أن يكون صارما ومحدّثا وقابلا للتنفيذ، يسري على المحتوى سواء خارج الإنترنت أو عبر الإنترنت، بغية ضمان ألا تكون عائدات أصحاب حقوق الملكية الفكرية الرياضية عرضة للخطر. وشهدنا مؤخرا قيام الاتحاد الأوروبي بجهود تشريعية لتحقيق هذا الأمر من خلال وضع مقترح حول التوجيه المتعلق بحق المؤلف في السوق الرقمية الموحدة. واتخذ البرلمان الأوروبي في البداية موقفا إيجابيا في دعم المبدعين وأصحاب الحقوق، بما في ذلك اقتراح لسن الحق المجاور لفائدة منظمي الأحداث الرياضية. ومن شأن هذا أن يعزز على نحو أساسي الطريقة التي نحمي بها حقوق الملكية الفكرية. ومع ذلك، قُوّض هذا الجهد ولم يرد أي من هذا في نص التوجيه المتفق عليه في الأخير. وجراء ذلك نشعر بأن هذه كانت فرصة ضائعة ونأمل أن يواصل المشرعون العمل على معالجة الاختلالات في قطاعنا في المستقبل. ونأمل أيضًا أن تنعكس الجهود المبذولة لحماية منظمي الأحداث الرياضية في أماكن أخرى. وعلى نفس المنوال، يدعم أعضاء تحالف أصحاب الحقوق الرياضية بقوة الجهود الجارية في الاتحاد الأوروبي وفي الويبو لمعالجة مسألة الإعلان على المواقع الإلكترونية والهواتف النقالة المتعدية على الملكية الفكرية.
حماية حقوق الملكية الفكرية بالغ الأهمية لمستقبل الرياضة
وفقًا للمفوضية الأوروبية، "يساهم القطاع الرياضي بحوالي 2 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي". وعلاوة على ذلك، تخلف المسابقات الرياضية أثرا اقتصاديا هاما على المستوى الوطني. وعلى سبيل المثال، وفقًا لدراسة حديثة أجرتها شركة إرنست آند يونغ (Ernst & Young)، يوفر الدوري الإنجليزي الممتاز 100 000 وظيفة في المملكة المتحدة، وهو ما يدر عائدات ضريبية بقيمة 3.3 مليار جنيه إسترليني (4.3 مليار دولار أمريكي)، ويشجع العمل المجتمعي على مستوى الأندية. كما يوفر هذا الدوري منصة للبلدات والمدن للتفاعل مع باقي العالم وتعزيز السياحة.
وبما أن الرياضة مساهم قيم في الاقتصاد العالمي وفي متعة ورفاه الأشخاص، فلابد أن القطاع الرياضي لديه القدرة على الاستمرار في الازدهار. ومن أجل تحقيق ذلك ومن أجل أيضا الاستثمار في الأجيال القادمة من الأبطال الرياضيين، سواء أولئك الذين ستكون لهم الفرصة للوقوف أمام 90 000 متفرج في ملعب ويمبلي في لندن أو من سيكونون جزءاً في فريقك المحلي، نحن في حاجة لضمان حماية حقوق الملكية الفكرية للقطاع وحماية العائدات التي تتدفق منه. وهذا السبب هو الذي جعل أعضاء تحالف أصحاب الحقوق الرياضية يسعون وراء الاعتراف اللازم بقيمة الرياضة والحماية الفعالة لحقوق المؤلف الخاصة بنا في إطار القانون الذي تسنه مختلف الحكومات حول العالم.
الغرض من مجلة الويبو مساعدة عامة الجمهور على فهم الملكية الفكرية وعمل الويبو، وليست المجلة وثيقة من وثائق الويبو الرسمية. ولا يراد بالتسميات المستخدمة وبطريقة عرض المادة في هذا المنشور بأكمله أن تعبر عن أي رأي كان من جهة الويبو بشأن الوضع القانوني لأي بلد أو إقليم أو منطقة أو سلطاتها أو بشأن تعيين حدودها أو تخومها. ولا يراد بهذا المنشور أن يعبر عن آراء الدول الأعضاء أو أمانة الويبو. ولا يراد بذكر شركات أو منتجات صناعية محددة أن الويبو تؤيدها أو توصي بها على حساب شركات أو منتجات أخرى ذات طبيعة مماثلة وغير مذكورة.