الملكية الفكرية والرياضة والسياحة: الخلطة السحرية
بقلم كارول بيكفورد، مسوقة رياضية، كينغستون، جامايكا
أصبحت الأحداث الرياضية محركاً رئيسياً للتنمية الاقتصادية على مستوى العالم.
وقدَّر المكتب الاستشاري العالمي AT Kearney أن قيمة هذه الصناعة تبلغ حوالي 620 مليار دولار أمريكي. ويشكل هذا الرقم جزءاً مهماً من القيمة التقديرية لصناعة السياحة ككل والتي تبلغ 4.5 تريليون دولار أمريكي.
وتشكل الرياضة والقطاعات المتصلة بها، بدءاً بالبنية التحتية والتدريب والأحداث وحتى تصنيع وتجارة المعدات الرياضية والضيافة، نسبة كبيرة مما يحدث في صناعة السياحة. وتشير الأبحاث التي أجرتها الشبكة الاستشارية KPMG Peat Marwick إلى أن صناعة الرياضة العالمية ستشهد نمواً سنوياً مطرداً يتراوح بين 7 و11 بالمئة حتى عام 2023. وتدعم حقوق الملكية الفكرية – التي تشمل البراءات والتصاميم والعلامات التجارية وحقوق وسائل الإعلام – شبكة العلاقات التجارية التي تمكّن القطاع من تقديم الرياضة للجماهير في جميع أنحاء العالم.
وتشير هذه البيانات إلى نقطة واحدة وهي أن الملكية الفكرية والرياضة والسياحة تساهم معاً مساهمة مباشرة كبيرة في الاقتصاد العالمي وتولد فوائد غير مباشرة بعيدة المدى من حيث تعزيز الرفاه البدني، وبلورة مفاهيم اللعب النزيه والاحترام المتبادل وتنمية التماسك الاجتماعي والشعور بالانتماء إلى المجتمع.
إرث مستدام
عندما تقر وجهة ما مثل كينغستون بجامايكا بإمكانات الأحداث الرياضية في تعزيز السياحة وتدمج هذه الأحداث في عملية التخطيط الاقتصادي، يجب أن تضع استراتيجية محددة وواضحة في مجال الملكية الفكرية. ويمكن للاستخدام الاستراتيجي لحقوق الملكية الفكرية التي يمتلكها منظمو الأحداث الرياضية أن يؤدي إلى فرص كبيرة في مجال توليد الثروة وإيجاد الوظائف وتطوير البنية التحتية الحضرية. وعن طريق بيع حقوق البث والرعاية التجارية وصفقات السلع الترويجية (القائمة على حقوق العلامات التجارية)، يمكن لمنظمي الأحداث الرياضية أن يؤمنوا الأموال اللازمة لتنظيم تلك الأحداث بما في ذلك إنشاء ملاعب رياضية وغيرها من البنى التحتية المادية أو تحديثها لضمان سلاسة سير الحدث وتمتع المعجبين الرياضيين بتجربة مريحة وآمنة. وبذلك، يتيح الجمع بين الملكية الفكرية والرياضة والسياحة فرصاً للاستثمار العام والخاص في البنية التحتية الحضرية والخدمات الحضرية ويرسي إرثاً مستداماً للبلد أو المدينة المضيفة وسكانها.
ومن منظور السياحة، يمكن للحدث الرياضي البارز جذب الناس من جميع أنحاء العالم. وسيسافر عشاق الرياضة من مسافات بعيدة لمشاهدة أبطالهم الرياضيين يتنافسون وهم يستمتعون بأجواء الألعاب الرياضية. وسوف يعزز التسويق والترويج الفعالان للحدث والوجهة دعم المشجعين وجذب السياح من جميع أنحاء العالم.
وسيشتري العديد منهم تذكارات – قمصان تذكارية أو قبعات أو ملابس رياضية أخرى أو سلاسل مفاتيح أو غيرها من الكماليات المرتبطة بالحدث – (تُنتج طبقاً لاتفاق سلع ترويجية) فضلاً عن خدمات أخرى متوفرة في مكان الحدث. وتدعم حقوق الملكية الفكرية جميع العلاقات التجارية التي تجعل هذه العروض ممكنة وهي مصدر دخل مهم لمنظمي الأحداث الرياضية.
ومع مرور كل عقد من الزمان، شجعت الحوافز المدمجة في نظام الملكية الفكرية (أي الاعتراف بالمخترعين والمبدعين ومكافأتهم على جهودهم مع ضمان وصول الجمهور على نطاق واسع إلى مخرجاتهم) التطورات التكنولوجية في المعدات الرياضية وأجهزة القياس الخاصة بالركض والمضمار وتقنيات البث والمعلومات. وساعدت هذه الابتكارات في تعزيز الأداء الرياضي والشعبية العالمية للرياضة من خلال تقريب الجماهير من النشاط الرياضي.
الحوافز الاقتصادية للملكية الفكرية
بالمثل، مكَّن نظام الملكية الفكرية عن طريق العلامات التجارية بخاصةٍ منظمي الأحداث الرياضية على كل المستويات الوطنية والإقليمية والدولية من زيادة قيمة علامتهم التجارية، وإيجاد تدفقات إيرادات إضافية من صفقات الرعاية واتفاقات الترخيص مع الشركاء التجاريين وجذب المشجعين واهتمام وسائل الإعلام بأحداثهم.
وإن حقوق وسائل الإعلام شكل آخر من أشكال الملكية الفكرية التي تتصدر جدول أعمال منظمي الحدث. وفي العقود الأخيرة، كانت هذه الحقوق مصدر دخل مربح لهم. وفي الولايات المتحدة مثلاً، تُعدّ الحقوق الإعلامية للرابطة الوطنية لكرة القدم (NFL) فلكية إذ تساوي دفع مبلغ سنوي قدره 225 مليون دولار لكل فريق. وتمكنت الرابطة، بصفتها أعلى الرياضات قيمة في الولايات المتحدة، من بيع حقوق البث لأربع شبكات هي Fox وCBS وNBC وESPN. وتبلغ القيمة التقديرية لهذه الحقوق 6 مليارات دولار تقريباً. واستثمرت كل هذه الشبكات ما بين 600 مليون دولار و1950 مليار دولار في البرامج الليلية لأيام الخميس والأحد والاثنين. وكانت البرامج الليلية ليوم الأحد التي بثتها شبكات Fox وCBS وNBC أعلى البرامج قيمة بمقدار 3 مليارات دولار. وكان ذلك في الموسم 2017/2018.
وعلى مر السنين، جذبت الألعاب الأولمبية الصيفية والشتوية، وكذلك كأس العالم FIFA، صفقات حقوق إعلامية أكبر وأكبر. فعلى سبيل المثال، تمكن اتحاد FIFA من جمع 1.85 مليار دولار من بيع حقوق وسائل الإعلام لكأس العالم 2018 و2022.
تغير المشهد
مع زيادة إقبال المستهلكين على العروض الرياضية القصيرة والمتقطعة، يواجه منظمو الأحداث الرياضية - وهيئات البث التقليدية إلى حد متزايد – التأثير المتزايد للاعبين الرقميين المتميزين والتنافس بينهم.
ففي الدوري الإنكليزي المتميز مثلاً، ادعى تقرير لأندرو ريان نُشر في أغسطس 2018 أن "الفقاعة قد انفجرت!" عقب نتائج أحدث مناقصة على حقوق البث في المملكة المتحدة صدرت في فبراير 2018. وكان إجمالي الالتزامات المالية بين Sky وBT أقل بمقدار 500 مليون جنيه إسترليني تقريباً (651.2 مليون دولار) من السقف البالغ 5.13 مليار جنيه إسترليني (6.6 مليار دولار) للرسوم التي تدفعتها هيئتا البث خلال الدورة السابقة (الممتدة بين عامَي 2016 و2019).
وبالمثل، أفادت شبكة البث الرياضية الأمريكية ESPN بفقدان 9 ملايين مشارك على مدى السنوات الثلاث الماضية. وأفادت شبكة Sky Sports بالمملكة المتحدة بانخفاض نسبته 19 بالمئة في نسب مشاهدة دوري الأبطال.
وتبيِّن هذه البيانات تغير طريقة استهلاك عشاق الرياضة للأنشطة الرياضية. إذ يرجح المزيد من الشباب وسائل التواصل الاجتماعي على قنوات البث التقليدية لمشاهدة الرياضة. وفي الصين، تعدّ الهواتف المحمولة أشهر الوسائط المستخدمة لمشاهدة الأحداث الرياضية.
السياحة الرياضية
ساعدت الإنجازات البارزة لنجوم الرياضة البلدان والمدن على بناء سمعتها وتنميتها بوصفها جهة "يجب زيارتها". وقد شهد يوسين بولت من جامايكا، عقب أدائه الرائع في الألعاب الأولمبية لعام 2008 في بيجين وبطولة الاتحاد الدولي لألعاب القوى لعام 2009 في برلين، زيادة ملحوظة في الاهتمام بمدينته تريلاوني في جامايكا وحدث الركض والمضمار التي تعقده المدرسة الثانوية كل ربيع في جامايكا والمعرف باسم CHAMPS.
ويقبل عدد متزايد من الجهات على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى. وتجذب بعض الأحداث البارزة المسافرين إلى المدينة المضيفة، حتى عندما لا يحضرون الحدث الرياضي نفسه مثل الذين يزورون ويمبلدون، موطن بطولة ويمبلدون (للتنس) في لندن أو الدوري المفتوح (للتنس) في نيويورك بالولايات المتحدة أو ناسكار (سباق السيارات) في شيكاغو. ويعني ذلك أن السياحة الرياضية باتت تستوعب جزءاً متزايداً من سوق السياحة الأكبر.
وحتى الدول النامية الصغيرة مثل جامايكا، التي سيطرت على العالم منذ عام 1948 في العديد من الرياضات وأبرزها في الركض والمضمار والملاكمة، يمكن أن تستفيد من السياحة الرياضية القائمة على الاستخدام الاستراتيجي لحقوق الملكية الفكرية. وإن ظهورها القصير في كأس العالم لكرة القدم لعام 1998 وخلال الألعاب الأولمبية الشتوية في كالغاري خلال فترة لاحقة من العام الذي خُلد في الفيلم الشهير "Cool Runnings" أدى إلى إثارة الاهتمام بالبلد وجذب السائحين إلى شواطئ جامايكا. ولا يزال الفيلم يُعرض على الشبكات التفلزيونية في جميع أنحاء العالم ويجذب السائحين إلى جامايكا لرؤية أهل جامايكا على الجليد.
ووفقاً لمنظمة السياحة العالمية (WTO)، تبلغ قيمة صناعة السفر والسياحة العالمية حوالي 7 تريليون دولار. وتعدّ السياحة من أسرع الصناعات نمواً في العالم، وتتمتع بمعدلات نمو سنوية تبلغ 6 بالمئة. ومن المتوقع أن يسافر حوالي 1.8 مليار سائح دولي بحلول عام 2030 (انظر www.statista.com/topics/962/global-tourism/).
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن فرع السياحة الرياضية من أسرع فروع قطاع السياحة نمواً إذ يولد مليارات الدولارات كل سنة. وتعدّ السياحة الرياضية قطاعاً تجارياً دولياً واسعاً يجذب الاستثمارات والاهتمام السياسي وانتباه وسائل الإعلام وآلاف المشاركين والمشاهدين المسافرين. ويشكل الإنفاق على السياحة الرياضية المقدَّر بمبلغ 800 مليون دولار 10 بالمئة تقريباً من إيرادات السياحة الإجمالية.
ونظراً لأن الرياضة تشكل جزءاً كبيراً من صناعة السياحة، فمن المنطقي بذل كل جهد ممكن للاستفادة من النجاح الرياضي للبلد في جذب السياح الرياضيين إليه.
وتتخذ الرياضة السياحية أشكالاً متنوعة. فقد تتكون من بطولات رفيعة المستوى مثل الألعاب الأولمبية وبطولات العالم وسباق ناسكار وأنشطة الرياضة أقل تنافساً مثل التسلق والتزلج والتجديف والإبحار. وقد تشمل أيضاً مسابقات محلية أو إقليمية أو دولية أقل رسمية تجذب أعداداً كبيرة من الناس. وفضلاً عن ذلك، قد تشمل السياحة الرياضية مواقع يعيش فيها الرياضيون المشهورون أو قاعات مشاهير الرياضة.
ويمكن أن تتمتع الوجهات التي تستضيف الأحداث الرياضية بفوائد كبيرة من خلال جذب السياح الذين قد يعودون في وقت لاحق لقضاء عطلة. وسياح الرياضة هم من أكبر المنفقين في هذا المجال.
إدراك الفرص
يتيح تركيز الجهود على تعزيز السياحة الرياضية فرصاً لإظهار مدى ملاءمة وجهة معينة وتعزيز مكانتها على الساحة العالمية. وتساعد الأحداث الرياضية أيضاً على تمديد موسم السياحة التقليدي، مما يجعل من الممكن جذب عدد أكبر من السياح.
والملكية الفكرية والرياضة والسياحة مزيج قوي. إذ يمكن للنهج المتسق للرياضة والسياحة الذي تدعمه استراتيجية فعالة للملكية الفكرية أن يحفز اهتمام الجمهور بالسفر إلى وجهة ما، وبخاصةٍ إذا كانت تلك الوجهة هي مكان حدث رياضي مثير للاهتمام. ويمكن أن يكون لخطة تنمية اقتصادية تدمج الرياضة بفعالية في استراتيجية السياحة تأثير كبير في قدرة البلد على جذب الزائرين وإيجاد فرص عمل محلية. ويمكن أن تعزز الخطة القدرة التنافسية للبلد بوصفها جهة سياحية وكذلك مكانتها الدولية بما يجذب فرص استثمارية إضافية لتطوير قطاع الأعمال الوطني.
الغرض من مجلة الويبو مساعدة عامة الجمهور على فهم الملكية الفكرية وعمل الويبو، وليست المجلة وثيقة من وثائق الويبو الرسمية. ولا يراد بالتسميات المستخدمة وبطريقة عرض المادة في هذا المنشور بأكمله أن تعبر عن أي رأي كان من جهة الويبو بشأن الوضع القانوني لأي بلد أو إقليم أو منطقة أو سلطاتها أو بشأن تعيين حدودها أو تخومها. ولا يراد بهذا المنشور أن يعبر عن آراء الدول الأعضاء أو أمانة الويبو. ولا يراد بذكر شركات أو منتجات صناعية محددة أن الويبو تؤيدها أو توصي بها على حساب شركات أو منتجات أخرى ذات طبيعة مماثلة وغير مذكورة.