المملكة العربية السعودية تستعد للملكية الفكرية
بقلم السيد ياسر الدباسي، المدير التنفيذي لإدارة حقوق الملكية الفكرية، الهيئة السعودية للملكية الفكرية، الرياض، المملكة العربية السعودية.
يكمن الابتكار والإبداع، ونظام الملكية الفكرية الذي يقدم الحوافز لتشجيع هذه المساعي الإنسانية، في صميم التقدم الإنساني. وتعد الملكية الفكرية عاملاً مهماً لتطور اقتصاد المملكة العربية السعودية في المستقبل. والرؤية السعودية لعام 2030، وهي عبارة عن برنامج إصلاحي يسعى إلى تنويع الاقتصاد الوطني والحد من اعتماده على النفط، تضع عدداً من الأهداف، وبعضها يصبح ممكناً مباشرة من خلال الملكية الفكرية.
ويرجع تاريخ تشريع الملكية الفكرية في السعودية إلى عام 1939، حيث اعتمد أول قانون سعودي للملكية الفكرية عن العلامات المميزة. ومنذ ذلك الحين، وصناع السياسات السعوديون يعملون على توسيع نطاق النظام الوطني للملكية الفكرية وتعزيزه. وفي عام 1982، انضمت المملكة إلى المنظمة العالمية للملكية الفكرية ووقعت منذ ذلك الحين عدداً من المعاهدات الدولية التي تديرها الويبو.
عضوية معاهدات الويبو
انضمت المملكة العربية السعودية إلى الويبو في عام 1982. وانضمت منذ ذلك الحين إلى المعاهدات الدولية التالية التي تديرها الويبو:
- اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية
- واتفاق لوكارنو الذي وُضع بموجبه تصنيف دولي للتصاميم الصناعية
- ومعاهدة مراكش لتيسير النفاذ إلى المصنفات المنشورة لفائدة الأشخاص المكفوفين أو معاقي البصر أو ذوي إعاقات أخرى في قراءة المطبوعات
- واتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية
- ومعاهدة التعاون بشأن البراءات
- ومعاهدة قانون البراءات
- واتفاق فيينا الذي وُضع بموجبه تصنيف دولي للعناصر التصورية للعلامات
واعترافاً بالأهمية الاستراتيجية للملكية الفكرية في تمكين البلد من تحقيق طموحاته، وبالدور المحوري الذي تضطلع به حقوق الملكية الفكرية في حفز نمو الشركات، والقدرة التنافسية، والأداء الاقتصادي الوطني، أنشأت مؤخراً حكومة المملكة العربية السعودية الهيئة السعودية للملكية الفكرية، بصفتها السلطة الوحيدة المختصة بالملكية الفكرية في المملكة. وهذه المبادرة المهمة تحث على إحراز تقدم في بناء ثقافة للابتكار في المملكة العربية السعودية. والجهود التي تبذلها الهيئة السعودية للملكية الفكرية وغيرها من السلطات الحكومية من أجل تهيئة مناخ مؤات للاستثمار وإتاحة اقتصاد وطني أكثر تنوعاً وقدرة على المنافسة تذكي الوعي بالملكية الفكرية وتعزز نمو الشركات.
سلطة موحدة للملكية الفكرية
إن الهيئة السعودية للملكية الفكرية التي أنشئت في عام 2018، تعمل بصفتها "المنفذ الوحيد" لمعالجة جميع المسائل المتعلقة بحماية حقوق الملكية الفكرية، وتنظيمها وإنفاذها في المملكة. ومهمة هذه الهيئة هي تعزيز الابتكار المحلي وتحسين قدرة الاقتصاد الوطني على المنافسة عن طريق دعم الشركات المحلية في استخدامها الاستراتيجي للملكية الفكرية.
ونظراً إلى أن الهيئة هيئة مستقلة للملكية الفكرية ذات منظور عالمي، فهي تعمل أيضاً على توطيد دعائمها كمركز ريادي للملكية الفكرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. والهيئة، بصفتها الهيئة المختصة بجميع المسائل المتعلقة بسياسة الملكية الفكرية وإدارتها في المملكة، هي المسؤولة عن وضع استراتيجية البلد للملكية الفكرية وتنسيق تنفيذها مع جميع الهيئات ذات الصلة. والهيئة مسؤولة أيضاً عن اقتراح قواعد ولوائح تنظيمية جديدة فيما يخص حقوق الملكية الفكرية لضمان أن يواكب التشريع الوطني وتيرة المشهد التكنولوجي العالمي سريع التطور.
بناء ثقافة للملكية الفكرية
إن المملكة العربية السعودية ملتزمة ببناء ثقافة للملكية الفكرية وبتعزيز إنفاذ حقوق الملكية الفكرية في البلد. وتعمل الهيئة بفعالية على تعزيز احترام حقوق الملكية الفكرية من خلال مجموعة من البرامج التي تركز على الآتي: إذكاء الوعي بالملكية الفكرية (من أجل توسيع نطاق فهم مزايا نظام فعال للملكية الفكرية)؛ وتمكين الملكية الفكرية (للتشجيع على استخدام نظام الملكية الفكرية بشكل أكثر فعالية)؛ وإنفاذ الملكية الفكرية (لمكافحة التعديات على الملكية الفكرية والاستخدام المتعسف لحقوق الملكية الفكرية).
ومن أجل ذلك، أطلق عدد من المبادرات العملية. فمثلاً أنشئت مراكز الملكية الفكرية لكي تقدم إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة المشورة والتوجيهات العملية التي تحتاجها لوضع استراتيجيات للملكية الفكرية من أجل إدارة مشاريعها القائمة على الابتكار وحمايتها والاستفادة منها بفعالية. وتعمل أيضاً الهيئة السعودية للملكية الفكرية مع أكاديميتها للملكية الفكرية من أجل إطلاق عدد من برامج التعليم في مجال الملكية الفكرية، بما في ذلك معاهد صيفية للملكية الفكرية، وبرنامج ماجيستير مشترك للملكية الفكرية، وبرنامج للمدربين في مجال الملكية الفكرية.
ونظراً إلى أن الهيئة هيئة مستقلة للملكية الفكرية ذات منظور عالمي، فهي تعمل أيضاً على توطيد دعائمها كمركز ريادي للملكية الفكرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومن أجل تعزيز فهم الملكية الفكرية وإذكاء الوعي بها لدى العامة، تنظم الهيئة مجموعة من الحملات الإعلامية عبر القنوات الإذاعية وعبر شبكات التواصل الاجتماعي بشأن مواضيع تتعلق بالملكية الفكرية. فمثلاً، حملتها الأخيرة "إنفاذ حق المؤلف" التي قدمت بالتعاون مع شركاء معنيين في مناطق مختلفة في جميع أنحاء البلد، سعت إلى إذكاء الوعي بالآثار السلبية الاجتماعية والاقتصادية للقرصنة فيما يخص برمجيات الحاسوب، والبث عبر الساتل، والمواد المطبوعة والسمعية البصرية. وتدير الهيئة أيضاً مجموعة من حلقات العمل العملية عن الملكية الفكرية وتشارك بانتظام في معارض ومؤتمرات من أجل تعزيز عملها.
ولا تزال هذه المبادرات تجذب مشاركة مجتمعية واسعة النطاق.
وتتعاون الهيئة، في إطار تنفيذ أنشطتها الخاصة بالإنفاذ، تعاوناً وثيقاً مع شركاء القطاع الخاص؛ حيث يضطلعون بدور أساسي في أنشطتها لإنفاذ الملكية الفكرية. ومن أجل إضفاء الصفة الرسمية على مشاركة الأوساط التجارية في عملها وتعزيزه، أنشأت الهيئة مؤخراً مجلس احترام الملكية الفكرية. ويضم المجلس الجهات الفاعلة للقطاعين العام والخاص معاً لمناقشة وجهات النظر وتبادلها بشأن مجموعة من المسائل المتعلقة بالملكية الفكرية، بما في ذلك التحديات التي تواجه أصحاب الملكية الفكرية، وفرص التعاون، والمبادرات الجديدة للإنفاذ، والتطورات السياسية التي تتطلب تعليقات من العامة. وضم المجلس في اجتماعه الأول المنعقد في يناير 2020 الجهات الفاعلة الرئيسية في الصناعات الصيدلانية والبيولوجية الدولية والوطنية من أجل تحديد التحديات التي تواجه هذا القطاع وتحديد حلول ممكنة.
معالجة التعديات على الملكية الفكرية
لقد تلقت الهيئة السعودية للملكية الفكرية إلى الآن ما يزيد على 460 شكوى تتعلق بجميع أنواع انتهاكات الملكية الفكرية. وتقيم الشكاوى لتحديد ما إذا كان يمكن تسوية المسائل دون تقاضي أو ما إذا كان ينبغي إحالتها إلى المحاكم المختصة بالملكية الفكرية للبت فيها. ويمكن للأطرف المعنية الاتصال بالهيئة من خلال صفحتها العامة على الشبكة أو بالبريد الإلكتروني. والهيئة ملتزمة بمعالجة جميع المسائل المتعلقة بالملكية الفكرية بموجب القانون السعودي للملكية الفكرية، وتشجع جميع الشركات على دعم هذه الجهود عن طريق تقديم معلومات وأدلة محددة وعملية.
المملكة العربية السعودية والإطار الدولي للملكية الفكرية
تماشياً مع مهمة الهيئة لتعزيز نظام الملكية الفكرية في الدولة، ونشر ثقافة للابتكار وتحقيق طموحاتها لتصبح رائدة في مجال الملكية الفكرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تعمل الهيئة على تعزيز صورة المملكة في المجتمع الدولي للملكية الفكرية. ومن أجل ذلك، تمهد الهيئة السبيل للمملكة لكي تنضم إلى مختلف المعاهدات الدولية التي تديرها الويبو. فمثلاً، قدمت المملكة العربية السعودية مؤخراً صكوك الانضمام إلى اتفاق فيينا الذي وُضع بموجبه تصنيف دولي للعناصر التصورية للعلامات، واتفاق لوكارنو الذي وُضع بموجبه تصنيف دولي للتصاميم الصناعية. وتتوقع أيضاً أن تنضم رسمياً إلى اتفاق نيس بشأن التصنيف الدولي للسلع والخدمات لأغراض تسجيل العلامات، ومعاهدة بودابست بشأن الاعتراف الدولي بإيداع الكائنات الدقيقة لأغراض الإجراءات الخاصة بالبراءات، واتفاق استراسبورغ بشأن التصنيف الدولي للبراءات. ويجري أيضاً النظر في الانضمام إلى بروتوكول مدريد واتفاق لاهاي، على التوالي. وستواصل هذه التطورات تعزيز النظام الوطني للملكية الفكرية للمملكة، حيث ستجعله متماشياً مع أفضل الممارسات الدولية.
إن المملكة العربية السعودية ملتزمة ببناء ثقافة للملكية الفكرية وبتعزيز إنفاذ حقوق الملكية الفكرية في البلد.
وكذلك، وسّعت الهيئة نطاق تعاونها مع مجموعة من الفروع الدولية ووقعت اتفاق تعاون رسمي مع إدارة الصين الوطنية للملكية الفكرية والمكتب الأوروبي للبراءات ومكتب اليابان للبراءات، ومكتب كوريا للملكية الفكرية، ومكتب الولايات المتحدة للبراءات والعلامات التجارية، والويبو. وتهدف هذه الاتفاقات إلى تيسير تبادل الخبرات في مجال الملكية الفكرية ودعم مواصلة تطوير النظام الوطني للملكية الفكرية. وهذه الإسهامات المهمة أساسية للمضي قدماً بهدف الهيئة لكي تصبح سلطة متقدمة في مجال الملكية الفكرية. ووقعت الهيئة أيضاً اتفاقات الطريق السريع لمعالجة البراءات مع مكتب الولايات المتحدة للبراءات والعلامات التجارية ومكتب اليابان للبراءات، ومكتب كوريا للملكية الفكرية. وهذه الاتفاقات تسرع إجراءات البراءات من خلال تبادل المعلومات المتعلقة بالبراءات بين المكاتب المشاركة، مما يؤدي إلى تخفيف العبء على فاحصي البراءات وتحسين جودة البراءات.
خطط للمستقبل
ستواصل الهيئة خلال الأشهر والسنوات المقبلة الاستثمار في إذكاء الوعي بالملكية الفكرية وتعزيز احترام حقوق الملكية الفكرية. ويجري إعداد عدد من المبادرات. ويشمل ذلك تعيين موظفين معنيين باحترام الملكية الفكرية ونشرهم في الوكالات الحكومية. وسيكون هؤلاء الموظفون في طليعة الجهود المبذولة لحماية حقوق الملكية الفكرية وتعزيزها في هذه الوكالات. وسوف تدرب الهيئة هؤلاء الموظفين ليصبح كل منهم الشخص "المرجعي" في وكالاتهم فيما يخص جميع المسائل المتعلقة بالملكية الفكرية.
ويجري أيضاً وضع خطط لإنشاء لجنة وطنية للملكية الفكرية لتنسيق إنفاذ الملكية الفكرية في الحكومة بأسرها. وهذه اللجنة التي سترأسها الهيئة، والتي ستضم ممثلين من مجموعة من وكالات إنفاذ حكومية، ستكفل الامتثال على نطاق واسع لقوانين الملكية الفكرية ولوائحها في جميع أرجاء المملكة.
وتقر المملكة العربية السعودية بأهمية حماية حقوق الملكية الفكرية لتمكين المبتكرين والمبدعين والشركات المبتكرة الصغيرة والكبيرة، من الاستفادة من القيمة الاقتصادية لأصولهم غير المادية. وسيتيح تعزيز الابتكار والإبداع والنمو التجاري بهذه الطريقة للسكان بوجه عام الاستفادة من الوصول إلى تدفقات مستمرة من التكنولوجيات الجديدة والمنتجات الإبداعية، وكذلك من مزايا اقتصاد مزدهر. ويعِد التطور الأخير لمشهد الملكية الفكرية في المملكة بتحقيق مكاسب كبيرة ويشكل خطوة مهمة نحو تحقيق الأهداف المحددة في الرؤية السعودية لعام 2030.
الغرض من مجلة الويبو مساعدة عامة الجمهور على فهم الملكية الفكرية وعمل الويبو، وليست المجلة وثيقة من وثائق الويبو الرسمية. ولا يراد بالتسميات المستخدمة وبطريقة عرض المادة في هذا المنشور بأكمله أن تعبر عن أي رأي كان من جهة الويبو بشأن الوضع القانوني لأي بلد أو إقليم أو منطقة أو سلطاتها أو بشأن تعيين حدودها أو تخومها. ولا يراد بهذا المنشور أن يعبر عن آراء الدول الأعضاء أو أمانة الويبو. ولا يراد بذكر شركات أو منتجات صناعية محددة أن الويبو تؤيدها أو توصي بها على حساب شركات أو منتجات أخرى ذات طبيعة مماثلة وغير مذكورة.