السرية: حق الملكية الفكرية الأكثر استخداماً من جانب الشركات الصغيرة والمتوسطة
بقلم ستيفان ديتمر، عضو في مكتب Dentons بألمانيا، وجيمس بولي، عضو في مؤسسة قانونية مهنية بالولايات المتحدة الأمريكية، وهما عضوان في لجنة الملكية الفكرية، بغرفة التجارة الدولية (ICC).
معظم أنواع الملكية الفكرية مثل البراءات وحقوق المؤلف والعلامات التجارية والتصاميم الصناعية، هي حقوق ممنوحة من الحكومات. لكن هناك حقاً آخر يتوقف فقط على اختيار كل شركة وهو حق الحفاظ على السرية. والقانون يحمي أي شخص يتبادل المعلومات في سرية مع شخص آخر، لكنه لا يقتضي أن تسجل لدى أي وكالة. وإذا نشأ خلاف، يتولى النظام القانوني تسويته.
لقد كانت الأسرار التجارية جزءاً من المعاملات التجارية لعقود، باعتبارها وسيلة شائعة وعملية للشركات للحفاظ على ميزة تنافسية. ورغم أن أشكالاً أخرى من الملكية الفكرية تقتصر بعناية على المصنفات الإبداعية التي تستوفي مجموعة محددة للغاية من الاشتراطات، فإن حماية الأسرار التجارية تنطبق بشكل كبير على أي معلومات سرية، لها شئ من القيمة التجارية، حيث يتخذ المالك بعض الإجراءات للحفاظ على سريتها.
فاتساع نطاق السرية ومرونتها هما ما يجعلاها جذابة بهذه الدرجة للمنظمات الصغيرة التي قد لا تتوفر لديها الميزانية اللازمة لتكوين محفظة لحقوق الملكية الفكرية المسجلة. إذ يمكن أن يكون لدى كل مطعم وصفات الطبخ السرية الخاصة به. ولدى كل صالون تجميل قائمة بزبائنه ويعرف ما يفضله كل عميل من عملائه. ولدى كل صانع أثاث "حيله" لتعزيز فعالية منتجاته النهائية أو جودتها. وقد تم مؤخراً، تحديد السرية كوسيلة لحماية البيانات غير المنظمة مثل البيانات الآلية التي تصدر بكميات كبيرة وتستخدم لتغذية الأتمتة، أو الخوارزميات، وهي عنصر رئيسي آخر للصناعة الرقمية.
الأسرار التجارية: حق المالكية الفكرية الآخر، مقالة ظهرت في إصدار سابق من مجلة الويبو، تعرض مقدمة إلى الأسرار التجارية.
خلفية تاريخية
إن قوانين معظم البلدان، تحمي بموجب المعايير المنصوص عليها في اتفاق منظمة التجارة العالمية المتعلق بالجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية (اتفاق تريبس) الالتزام بالسرية في المعاملات التجارية. ويعني استمرار العلاقات أن المشاركين يحترمون الغالبية العظمى لهذه الالتزامات.
وكانت القوانين المتعلقة بالأسرار التجارية متروكة عادة في الولايات المتحدة الأمريكية، لتقدير فرادى الولايات. واقترح في عام 1979 على الولايات قانون موحد للأسرار التجارية وهو معتمد منذ ذلك الحين على نطاق واسع لكن تنوع أحكامه يجعل إنفاذه على المستوى الوطني معقداً إلى حد ما. وفي عام 1996، سنت الحكومة الفدرالية القانون المتعلق بالتجسس الاقتصادي، لكنه كان قاصراً على سبل الانتصاف الجنائية. وبعد مرور عشرين عاماً، اعتمد الكونغرس الأمريكي القانون المتعلق بالدفاع عن الأسرار التجارية لعام 2016 الذي منح للمرة الأولى أصحاب الأسرار التجارية خيار رفع دعاوى مدنية في المحكمة الفدرالية، مما يمنح بعض المزايا الإجرائية بالنسبة إلى محاكم الولايات.
لقد كانت الأسرار التجارية جزءاً من المعاملات التجارية لعقود، باعتبارها وسيلة شائعة وعملية للشركات للحفاظ على ميزة تنافسية.
والواقع أن القانون المتعلق بالدفاع عن الأسرار التجارية واءم القواعد التي تطبق على منازعات الأسرار التجارية، حيث زاد عدد القضايا المرفوعة في المحاكم الفدرالية. وكما يحدث في مجالات أخرى للمنازعات التجارية في الولايات المتحدة، يمكن أن تستند دعوى إلى ظروف "قد" تستنبط أن المدعى عليه أساء تملك سر تجاري. وبعد ذلك، يستخدم كلا الطرفين طائفة عريضة من مناهج "الاكتشاف"، بما في ذلك إصدار العديد من الوثائق وجمع شهادات مشفوعة بقسم من الشهود قبل المحاكمة، للكشف عن الحقائق ذات الصلة. ورغم أن سهولة إتاحة هذا الاكتشاف يسمح لأصحاب الأسرار التجارية بإنفاذ حقوقهم على نحو أكثر فعالية، فإنها تجعل التقاضي في الولايات المتحدة بوجه عام أكثر تكلفة من أي بلد آخر. وبالاقتران بالنتائج التي تكون أحياناً غير مؤكدة والتعويضات السخية بفضل توفر المحلفين المدنيين العاديين، يمكن أن تكون هذه البيئة مخيفة بالنسبة إلى الشركات في الأنظمة القانونية الأخرى المعتادة على تكلفة أقل وعلى توقع إطار للقانون المدني لا يسمح بالكشف عن الحقائق أو بوجود محلفين.
وتقريباً في نفس الوقت الذي اعتمد فيه القانون المتعلق بالدفاع عن الأسرار التجارية، دخل حيز النفاذ التوجيه الأوروبي المتعلق بحماية الدراية والمعلومات التجارية (الأسرار التجارية) غير المكشوف عنها من الحصول عليها واستخدامها والكشف عنها بشكل غير قانوني (التوجيه (EU) 2016/943 الصادر في 8 يونيو 2016، أو المشار إليه في المقال الإنجليزي بالمختصر "EUTSD").
وكانت قبل ذلك القوانين الوطنية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، على غرار قوانين أي اقتصادات كبيرة أخرى، تحمي الأسرار التجارية بطريقة أو بأخرى. غير أن تفتت المشهد القانوني في جميع أجزاء الاتحاد الأوروبي، اعتبر بشكل متزايد عائقاً أمام نقل التكنولوجيا عبر الحدود أو البحث والتطوير أو بشكل أعم الابتكار.
ونتيجة للضغوط التي مارستها الجمعيات الصناعية والتجارية، بل وأيضاً زيادة الدعم السياسي لفكرة المواءمة، وعلى الأخص ما يعرف باسم "Europe 2020 Flagship Initiative Innovation Union" (اتحاد الابتكار- مبادرة رئيسية لأوروبا 2020)، مُهد السبيل لاعتماد التوجيه الأوروبي المتعلق بحماية الدراية والمعلومات التجارية (الأسرار التجارية) غير المكشوف عنها من الحصول عليها واستخدامها والكشف عنها بشكل غير قانوني ونفذته الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ورغم أن المواءمة التامة لم تكن مقصودة أو لم يتم تحقيقها، فإنه يمكن للشركات التي تعمل في التجارة في الاتحاد الأوروبي أن تتوقع العثور على أنظمة قانونية وطنية في الدول الأعضاء تكون متطابقة أو متشابهة بقدر معقول في جميع أجزاء الاتحاد الأوروبي.
وبالطبع، أدت عملية استحداث التوجيه الأوروبي إلى إحياء المناقشات بشأن ما إذا كانت السرية تشكل حقاً من حقوق الملكية الفكرية، قبل كل شئ. وهي من جوانب عديدة مسألة أكاديمية لأنه حتى من يتساءلون عن مدى جودة السرية يعاملونها في مواطن عديدة معاملة حقوق الملكية الفكرية. وعلى عكس العقيدة القانونية السائدة في الولايات المتحدة الأمريكية، قرر الاتحاد الأوروبي عدم توصيف السرية بأنها من حقوق الملكية الفكرية. ونتيجة لذلك، لا يطبق التوجيه 2004/48/EC المتعلق بإنفاذ حقوق الملكية الفكرية، المعروف أكثر بالتوجيه المتعلق بالإنفاذ. وفي حين أن بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لا سيما إيطاليا وسلوفاكيا، قررت خلاف ذلك، فإن الأهمية العملية لهذا النهج غير المتسق محدودة حيث أن التوجيه الأوروبي المتعلق بحماية الدراية والمعلومات التجارية (الأسرار التجارية) غير المكشوف عنها من الحصول عليها واستخدامها والكشف عنها بشكل غير قانوني، ينص على تطبيق نظام إنفاذ مماثل إلى حد ما لنظام التوجيه المتعلق بالإنفاذ.
وهذه الجهود المنسقة على ما يبدو على جانبي المحيط الأطلنطي لتحسين إنفاذ الأسرار التجارية كانت محل دراسة أجرتها غرفة التجارة الدولية ونشرتها في عام 2019.
ولم تقتصر الإصلاحات الأخيرة وتحديث قوانين الأسرار التجارية على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. ففي عام 2018 ومجدداً في عام 2019، أجرت الصين تعديلات مهمة في قانونها المتعلق بمكافحة المنافسة غير المشروعة لتوسيع نطاق تعريف السر التجاري القابل للحماية وزيادة العقوبات في حالة السرقة، بما في ذلك إتاحة التعويضات التعزيرية. وعززت الصين صقل قانونها للتصدي لتحدي قيام صاحب السر التجاري بتقديم ما يكفي من الأدلة عن طريق الإعلان عن إثبات "أولي" لحدوث سوء تملك على نحو كاف وهو ما يؤدي إلى وضع اشتراط بأن يثبت المدعى عليه أنه استحدث المعلومات بشكل مستقل.
الأسرار التجارية والشركات الصغيرة والمتوسطة
ما الذي تعنيه كل هذه الأنشطة التشريعية الموجهة إلى تعزيز قوانين الأسرار التجارية بالنسبة إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة؟ هناك نتيجتان عامتان أولهما أن موضوع حماية الميزة التنافسية من خلال السرية حظيت بالمزيد من الاهتمام أكثر من ذي قبل، مما أدى إلى توفير المزيد من الموارد لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة في إدارة ذلك الجانب من الملكية الفكرية الذي يغفل كثيراً. وثانيهما أن الشركات من جميع الأنواع وفي جميع البلدان تواجه تحدي الاستفادة من هذا النهج سهل الاستخدام، ليس فقط لحماية بياناتها الخاصة، بل وأيضاً لتفادي التعرض غير المرغوب فيه للأسرار التجارية للغير.
وحماية المزايا التنافسية للشركات الصغيرة والمتوسطة عن طريق استخدام صفة السرية تقتضي معرفة ما هي المعلومات التي ينبغي حمايتها للحفاظ على هذه المزايا، وما هي التدابير المتاحة للحد من المخاطر المرتبطة بسريتها. ولا تفرض التشريعات عملياً أي قيود على نوع المعلومات التي يمكن الادعاء بأنها من الأسرار التجارية؛ فهي يمكن أن تكون أي نوع من المعلومات، من حيث أنها "ليست، بمجموعها أو في الشكل والتجميع الدقيقين لمكوناتها، معروفة عادة أو سهلة الحصول عليها من قبل أشخاص في أوساط المتعاملين عادة في النوع المعنى من المعلومات" (المادة 39 من اتفاق تريبس) ويترتب على سريتها قيمة تجارية ما فعلية أو محتملة. وبالطبع ينبغي أن تختلف المعلومات عن المهارات الفردية، التي تخرج عن نطاق الحماية القانونية.
وحماية المزايا التنافسية للشركات الصغيرة والمتوسطة عن طريق استخدام صفة السرية تقتضي معرفة ما هي المعلومات التي ينبغي حمايتها للحفاظ على هذه المزايا، وما هي التدابير المتاحة للحد من المخاطر المرتبطة بسريتها.
والجانب الأصعب هو تحديد تدابير أمنية "معقولة" وتطبيقها، لأن كل رقابة تستلزم الاضطلاع ببعض التكاليف، سواء بالمال أو بالكفاءة أو كليهما (انظر مثلاً في الإزعاج الناجم عن إجراء التصديق المزدوج، حيث تضطر إلى انتظار إرسال رمز موحد إلى هاتفك). وستقرر المحكمة في نهاية المطاف ما هو معقول في إطار الظروف القائمة مع مراعاة البيئة التي تنطوي على مخاطر بالنسبة إلى الشركة، وقيمة المعلومات والتهديد بالخسارة وتكاليف التدابير اللازمة للتخفيف من المخاطر.
ولكي تحدد الشركة أسرارها التجارية الأكثر أهمية، يتعين عليها النظر في قيمة المعلومات، التي تقاس من خلال الاستثمار المبذول لاستحداثها، والميزة المحتملة التي تقدمها للتفوق في المنافسة، والأضرار المحتملة بسبب فقدان السيطرة، وتعرضها لأي شكل من أشكال الهندسة العكسية (التي تسمح بها مبدئياً بعض الأنظمة القانونية) و/أو احتمال أن يكتشفها أحد المنافسين أو يطورها على نحو مستقل.
وينبغي للشركة بمجرد تحديد المعلومات كأسرار تجارية ذات قيمة، أن تجري تقييمات واقعية للمخاطر لتحدد الضوابط الأمنية الملائمة. ويمكن أن يكون من المفيد استحداث فئات مختلفة من المعلومات مع ما يقابلها من التدابير الأمنية من أجل هيكلة عملية إدارة الأسرار التجارية. وقد تتضمن عناصر أخرى من هذه العملية توسيم المعلومات وفقاً لتصنيفها وقصر الحصول على المعلومات على من تقتضي الحاجة معرفتهم، وتطبيق ضمانات مادية وإلكترونية أخرى واستخدام ترتيبات الحفاظ على السرية المصاغة بشكل سليم (أو عدم الإفصاح) في الحالات التي ينبغي فيها الكشف عن المعلومات لمورد أو لشريك آخر من الشركاء التجاريين.
وفي الاتحاد الأوروبي، أسهم اعتماد اللائحة (EU) 2016/679 (لائحة الاتحاد الأوروبي لحماية البيانات العامة) في إذكاء وعي الشركات بأمن البيانات. ويمكن للتدابير التقنية والتنظيمية والإلزامية، بموجب المادة 32 من لائحة الاتحاد الأوروبي لحماية البيانات العامة (GDPR)، والرامية إلى حماية سرية البيانات الشخصية وسلامتها أن تكون أيضاً "إجراءات معقولة في الظروف القائمة" للحفاظ على سرية الأسرار التجارية.
والشركات الصغيرة والمتوسطة لنفس الأسباب التي تجعلها تعتمد في الغالب على السرية وليس على الحقوق المسجلة لحماية ملكيتها الفكرية، تكون معرضة بوجه خاص لخطر أن تصبح مستهدفة للتجسس الصناعي. ومن الضروري بالنسبة لها تطبيق أعلى مستويات الأمن الإلكتروني، بل وأيضاً تحديث ورفع مستواها بشكل منتظم لتظل على قمة التطورات التكنولوجية. وعلى كل حال، "ما هو معقول في الظروف القائمة" خاضع للتغيير بفضل التقدم التكنولوجي والقيمة النسبية والتهديدات المتغيرة حيث يمكن أن يتغير مع مرور الوقت.
ورغم أن الجريمة الإلكترونية راسخة في أذهان العديد من الشركات، فإن التهديد الأكثر شيوعاً للحفاظ على السرية يتعلق بالأشخاص الذين، نظراً لتعيينهم لدى الشركة أو لدى مورد موثوق به) يكون بحوزتهم أو يكون بإمكانهم الحصول بشكل مشروع على المعلومات، ثم يغادرون الشركة وينقلون المعلومات إلى رب العمل الجديد. وبالإضافة إلى الالتزامات التعاقدية بالسرية التي ينبغي أن تكون موحدة في أي اتفاق عمل، ومراقبة تكنولوجيا المعلومات في حدود التشريعات المتعلقة بالعمل وبخصوصية البيانات، يمكن للتدريبات المتكررة على الواجبات المطبقة، وعملية الخروج على النحو الواجب بما في ذلك مقابلات الخروج من الشركة، أن تساعد على التخفيف من هذه المخاطر. وينطبق الأمر ذاته على ممارسات الإنفاذ الصارم الراسخة والتي يجري الإبلاغ عنها بشكل جيد في حال الإخلال بالأمن. ولا ينبغي إغفال أن المعلومات المتعلقة بطرف ثالث التي يجلبها المعينون الجدد بشكل غير قانوني إلى الشركة تطرح أيضاً تهديداً لوضع الشركة، حيث تجعل من المهم مراجعة عمليتي التعيين والإدماج.
وبفضل التحسينات التي جرت مؤخراً في قوانين الأسرار التجارية في جميع أنحاء العالم، أصبح لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة المزيد من الخيارات والفرص لتعزز قيمة الشركة وتمنع فقدان أصول البيانات عن طريق استخدام حق الملكية الفكرية الذي أصبح تحت سيطرتها تماماً: وهو الأسرار التجارية.
روابط ذات صلة
الغرض من مجلة الويبو مساعدة عامة الجمهور على فهم الملكية الفكرية وعمل الويبو، وليست المجلة وثيقة من وثائق الويبو الرسمية. ولا يراد بالتسميات المستخدمة وبطريقة عرض المادة في هذا المنشور بأكمله أن تعبر عن أي رأي كان من جهة الويبو بشأن الوضع القانوني لأي بلد أو إقليم أو منطقة أو سلطاتها أو بشأن تعيين حدودها أو تخومها. ولا يراد بهذا المنشور أن يعبر عن آراء الدول الأعضاء أو أمانة الويبو. ولا يراد بذكر شركات أو منتجات صناعية محددة أن الويبو تؤيدها أو توصي بها على حساب شركات أو منتجات أخرى ذات طبيعة مماثلة وغير مذكورة.