من إعداد السيدة كاثي فان دير هيرتين، مديرة، إدارة المنتجات، دائرة المستخلصات الكيميائية (CAS)، وهي شعبة تابعة للجمعية الكيميائية الأمريكية، أنتويرب، بلجيكا
لقد بلغ الاستثمار في البحث والتطوير مستويات عالية لم يسبق لها مثيل على الإطلاق. فمن المقدر أن تصل قيمة ذلك الاستثمار على الصعيد العالمي مبلغ 2.476 ترليون دولار أمريكي في عام 2022، مما يؤدي إلى استمرار النمو القوي في عدد طلبات البراءات بما يضع النظام الإيكولوجي العالمي للبراءات، وخاصة مكاتب البراءات، تحت الضغط. ويمكن أن يؤدي ارتفاع حجم وتعقيد طلبات البراءات إلى تأخير كبير في منح البراءات، مما يسفر عن حدوث عدم اليقين القانوني، الذي يمكن أن يتسبّب بدوره في إعاقة الابتكار وتثبيط الاستثمار في البحث والتطوير وإضعاف القدرة التنافسية للاقتصادات الوطنية.
وتشير دراسة أجراها مكتب اليابان للبراءات في عام 2018 إلى أن فاحصيه قضوا 30 بالمائة من وقتهم في البحث عن حالة التقنية الصناعية السابقة (الدليل على أن الاختراع معروف بالفعل) وقضوا 10 بالمائة أخرى من وقتهم في فهمها.
تتمثل إحدى الأساليب التي تعتمدها مكاتب البراءات لتحسين فترة معالجة الطلبات في استخدام حلول الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحديد حالة التقنية الصناعية السابقة المحتملة خلال الفحص. والذكاء الاصطناعي قادر على أن يحاكي، بوتيرة سريعة، القدرة البشرية على مقارنة البيانات بين طلبات البراءات والبراءات القائمة والمنشورات غير المتعلقة بالبراءات لاكتشاف أوجه التشابه التي يمكن للفاحصين استعراضها عند البحث عن حالة التقنية الصناعية السابقة. ومع أن ذلك لا يحل محل حاجة الفاحصين إلى استعراض نتائج البحث، فإنه كفيل بتعجيل الاستعراض في أكثر من 70 بالمائة من الطلبات.
الذكاء الاصطناعي قادر على أن يحاكي، بوتيرة سريعة، القدرة البشرية على مقارنة البيانات بين طلبات البراءات والبراءات القائمة والمنشورات غير المتعلقة بالبراءات لاكتشاف أوجه التشابه التي يمكن للفاحصين استعراضها…
استناداً إلى بيانات الويبو، تشير تقديرات دائرة المستخلصات الكيميائية (CAS)، وهي شعبة تابعة للجمعية الكيميائية الأمريكية، إلى أن المكاتب الخمسة الأولى للبراءات شهدت بلوغ معدل نمو سنوي مركب بنسبة 4.4 بالمائة في طلبات البراءات بين عامي 2012 و2021. ويُضاف إلى الزيادة المسجلة في أرقام الطلبات التعقيد المتنامي للبراءات، كما يتضح من عدد المطالبات لكل براءة، والبراءات المستشهد بها لكل مطلب، والاستشهاد بحالة التقنية الصناعية السابقة لكل براءة، وغير ذلك من التدابير.
ويُعتبر البحث عن حالة التقنية الصناعية السابقة عملية معقدة وتكرارية ومستهلكة للوقت. فبالنسبة لكل طلب، يجب على الباحثين والفاحصين استنباط استراتيجية للبحث، واختيار قواعد البيانات التي يتعين استخدامها، وإجراء البحث، وتقييم النتائج، والقيام، عند الاقتضاء، بضبط البحث وتكراره باستخدام معايير مختلفة
ويبلغ حجم البحث المذكور مستويات مذهلة. ووفقاً لدراسة أجراها المكتب الأوروبي للبراءات ، يمكن أن يستند البحث الشامل الخاص بطلبات البراءات إلى بحث في حالة التقنية الصناعية السابقة يبلغ حجمه 1.3 مليار سجل تقني في 179 قاعدة بيانات، مما يؤدي إلى ظهور نحو 600 مليون وثيقة في نتائج البحث شهرياً
بحث في حالة التقنية الصناعية السابقة يبلغ حجمه 1.3 مليار سجل تقني في 179 قاعدة بيانات، مما يؤدي إلى ظهور نحو 600 مليون وثيقة في نتائج البحث شهرياً.
ويتطلب نمو التكنولوجيات الجديدة وتزايد تعقيد طلبات البراءات من الفاحصين الاستمرار في توسيع مستويات خبراتهم في مجالات تخصصهم. وبإمكان الذكاء الاصطناعي، إذا ما غُذّي ببيانات عالية التنسيق والتنظيم، تسريع العملية من خلال غربلة الملايين من مجموعات البيانات وتوفير المراجع التي يُحتمل أن تكون متعارضة مع الطلب المستهدف.
يتحول عدد من مكاتب البراءات إلى حلول قائمة على الذكاء الاصطناعي لمساعدتها على التصدي لتزايد حجم وتعقيد طلبات البراءات. ووفقاً للويبو، هناك ما يزيد على 70 مبادرة ذات صلة بالذكاء الاصطناعي جارية في 27 مكتباً وطنياً للبراءات، منها 13 مبادرة تركّز على البحث في حالة التقنية الصناعية السابقة. ورغم أن تلك الحلول لا تمثّل حلولاً كاملة في جميع مراحل عملية الفحص، فإنها تهدف إلى تسريع وتيرة الفحص، وهو ما يسهم في تقليص فترة المعالجة ويؤدي، في نهاية المطاف، إلى تحقيق رضا العملاء.
فعلى سبيل المثال، يستخدم المكتب الكندي للملكية الفكرية حالياً محركات البحث القائمة على الذكاء الاصطناعي والمتاحة تجارياً لتحديد الروابط بين الاستشهادات والطلبات والحالة الراهنة للتقنية الصناعية. ويستخدم مكتب اليابان للبراءات الذكاء الاصطناعي في فهرسة الملفات، ويقترح تصنيفات البراءات والكلمات المفتاحية الوجيهة، وترتيب وثائق براءات التقنية الصناعية السابقة حسب وجاهتها. في حين يستخدم مكتب الولايات المتحدة للبراءات والعلامات التجارية الذكاء الاصطناعي للمساعدة على تحديد الأهلية للبراءة، وتحليل تاريخ معالجة طلبات البراءات، وتحسين نفاذ الجمهور إلى بيانات المكتب المذكور.
يتسم التعلم الآلي بالفعالية في البحث عن النصوص والمصطلحات المفهرسة، ولكنه أقل فعالية بالنسبة للبراءات التي تنطوي على تركيبات مواد، والتي كثيراً ما تتضمن بيانات مندرجة داخل الهياكل.
وفي الآونة الأخيرة، عمل المعهد الوطني البرازيلي للملكية الصناعية مع دائرة المستخلصات الكيميائية (CAS) من أجل استكمال مشروع بشأن الاستخدام الأمثل لتدفق العمل بفضل الذكاء الاصطناعي بغرض تسريع عمليات البحث في حالة التقنية الصناعية السابقة الخاصة بمجال الكيمياء. وتتسم الطلبات الخاصة بمجال الكيمياء، التي تمثل ما يقرب من 15 بالمائة من مجموع الطلبات المتراكمة لدى المعهد الوطني البرازيلي للملكية الصناعية، بطابع معقد للغاية وتتطلب البحث في منشورات البراءات وغير البراءات بالاستناد إلى النصوص والهياكل معاً. وقام العنصر الخاص بالذكاء الاصطناعي من الحل بدمج أربعة تدفقات خوارزمية تقوم بأنواع مختلفة من تحليلات التشابه وغيرها من التحليلات لضمان نتائج وجيهة بدرجة عالية.
ولدى كل خوارزمية أوجه قوة خاصة بها. ويتسم التعلم الآلي بالفعالية في البحث عن النصوص والمصطلحات المفهرسة، ولكنه أقل فعالية بالنسبة للبراءات التي تنطوي على تركيبات مواد (تشتمل على مركبين اثنين أو أكثر)، والتي كثيراً ما تتضمن بيانات مندرجة داخل الهياكل. وبالمثل، يمكن أن تجد قاعدة بيانات للرسوم البيانية أوجه تشابه لا يمكن للتعلم الآلي إيجادها. وبعد ذلك، قامت خوارزمية مجموعة بتحليل النتائج من التدفقات الأربعة ووصلت إلى قائمة واحدة للمنشورات التي يُحتمل أن تكون متعارضة مع الطلب المستهدف.
الفوائد من حيث الإنتاجية كانت هائلة:
تتسم بيانات الجودة بأهمية حاسمة في تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي. فكلما زادت البيانات التي يمكن لخوارزميات التعلم الآلي النفاذ إليها، زادت وجاهة النتائج ذات الصلة وموثوقيتها ومصداقيتها. ويمكن أن يشمل الكثير من البيانات المتاحة للجمهور وغير المنسقة أخطاء نسخ، ووحدات غير معلَّمة بطريقة صحيحة، وصياغة براءات بالغة التعقيد، وكلها أمور تعيق عمليات البحث. ويطرح ذلك تحدياً بوجه خاص في مجال الكيمياء وعلوم الحياة، حيث يرد وصف للمواد بطريقة غير متسقة في مختلف المنشورات، أو تُدرج كلمات مفتاحية في الجداول أو الصور. واستخدام بيانات منسقة على نحو علمي جرى تقييسها وإعدادها والربط بينها بنسق منظّم يجعل المعلومات قابلة للبحث بسهولة أكبر ويحسّن تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي وأداء عمليات البحث في حالة التقنية الصناعية السابقة.
رغم أن تدريب المجموعات قد يختلف باختلاف التكنولوجيات والصناعات والطلبات، فإن النهج الأساسي إزاء تطبيق الذكاء الاصطناعي لا يتغيّر.
وفيما يخص مشروع المعهد الوطني البرازيلي للملكية الصناعية، فقد اعتمدنا إلى حد كبير على مجموعة محتويات دائرة المستخلصات الكيميائية (CAS)™، وهي أكبر مجموعة في العالم من مجموعات البيانات المتعلقة بالكيمياء وعلوم الحياة، والتي جرى استخراجها وفهرستها والربط بينها لتبسيط النفاذ إلى المعلومات الوجيهة واسترجاعها. وبالإضافة إلى ذلك، استبعدنا من تدريب الخوارزمية مجموعة عشوائية من البراءات استخدمناها كمجموعة مراقبة في قياس مدى دقة النتائج ومعدلات الإصابة. وتم تقييم تلك البراءات من قبل الفاحصين في مكاتب البراءات في الصين واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وصادق عليها فريقنا الخاص من المهنيين المتخصصين في البحث في مجال الملكية الفكرية.
ورغم أن تدريب المجموعات قد يختلف باختلاف التكنولوجيات والصناعات والطلبات، فإن النهج الأساسي إزاء تطبيق الذكاء الاصطناعي لا يتغيّر. وفي أي مجال تكنولوجي، تُحدّد استشهادات التعارض المستخدمة أثناء عملية الفحص لكل مجموعة تدريب. وفيما يخص المجالات البالغة التعقيد، مثل الكيمياء، يمكن تحسين الأداء من خلال مجموعة تدريب محدّدة الموضوع، ولكن المجالات الأخرى قد لا تُظهر تحسناً كبيراً في الأداء باستخدام مجموعات التدريب المحدّدة الموضوع. وفي العديد من المجالات، ما دامت التكنولوجيا ممثّلة في مجموعة تدريب عامة، يظلّ أداء النماذج جيداً.
ومع ذلك، تكتسي جودة البيانات أهمية كبيرة.
تتطلب أفرقة مشروع الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من الخبرات المتخصصة. ويجمع مشروع المعهد البرازيلي للملكية الصناعية بين التكنولوجيا والخبراء في تحليل البيانات، ودمج تدفق العمل، والحوسبة العالية الأداء، والبحث العلمي، والعديد من التخصصات الأخرى.
ويحتاج أعضاء الفريق إلى خبرة شاملة في مواجهة التحديات المطروحة وتحقيق النتائج المستهدفة. فعلى سبيل المثال، قد يتعذر على شخص له خبرة في مجال علوم البيانات وضع خوارزميات فعالة تماماً إذا لم يكن يفهم دقائق التركيبات الكيميائية. كما يجب على علماء الحوسبة الذين يستنبطون نماذج التعلم الآلي فهم البيانات والهياكل الكيميائية.
ويُعد دمج تدفق العمل أحد التخصصات المهمة الأخرى في إيجاد حل شامل لمكاتب البراءات. ويمكن للفاحصين ممن عليهم تصفح أنظمة وملفات متعددة للعثور على وثائق خلال عملية استعراض الاستفادة من تحسينات تدفق العمل والتحسينات التكنولوجية التي تصل إلى لوحة متابعة واحدة حيث يمكن النفاذ إلى جميع الطلبات والوثائق الداعمة وتحليلها، وحيث يمكنهم أيضاً معرفة أسباب إعادة بعض الوثائق المرجعية وكيفية توليد النتائج، مما يتيح لهم إمكانية التتبع اللازمة لتوثيق القرارات المتعلقة بمعالجة الطلبات والعمليات الداخلية لاستعراض الجودة.
يمكن إدخال تحسينات هائلة على إنتاجية مكاتب البراءات وكفاءتها وخدمة العملاء عندما يمكن للفاحصين استخدام أدوات قائمة على أحدث التكنولوجيات، مثل الذكاء الاصطناعي. ومع تسارع الابتكار، سيتزايد حجم وتعقيد طلبات البراءات. ويعني ذلك أن مكاتب البراءات ستستمر في المطالبة بأساليب جديدة للارتقاء بعملية فحص البراءات إلى المستوى الأمثل وبالتالي تلبية توقعات أصحاب المصلحة بغرض الوصول برضا المستخدمين إلى مستويات أعلى.
وفي حين أن حلول الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد في التصدي لهذه التحديات الدائمة التطور، فإنها لا تزال تتطلب خبرة لتنفيذ نُهج مخصصة. ولن يمكن تطبيق نهج واحد يناسب الجميع، ذلك أن لكل مكتب من مكاتب البراءات احتياجات مختلفة. ولمكاتب البراءات أنشطة عامة مماثلة ولكن تلك المكاتب تختلف من حيث مستوى التوظيف والتكنولوجيا اللازمين لدعم كل مجال. وفي حين أن الخوارزميات قد تلبي حاجة مشتركة، فإن طريقة تفاعل الفاحصين مع الناتج يمكن أن تكون مختلفة جداً وفق البيئة التكنولوجية القائمة.
يمكن إدخال تحسينات هائلة على إنتاجية مكاتب البراءات وكفاءتها وخدمة العملاء عندما يمكن للفاحصين استخدام أدوات قائمة على أحدث التكنولوجيات، مثل الذكاء الاصطناعي.
وستتطلب مكاتب البراءات التي تسعى إلى تحقيق نتائجها الاستراتيجية ابتكارات مخصصة تلبي توقعات أصحاب المصحلة بالرغم من قلة الموارد. ويمكن أن يوفر المزج الصحيح بين البيانات والتكنولوجيا والخبرة البشرية المرونة اللازمة لدعم التحسينات المستدامة في المستقبل.
يمكن الاطلاع على المزيد بشأن الكيفية التي يمكن بها تعزيز إنتاجية نظام البراءات العالمي بواسطة الذكاء الاصطناعي في ورقة غير رسمية صادرة عن دائرة بالمستخلصات الكيميائية (CAS) بعنوان " استدامة نظام البراءات العالمي: دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز الإنتاجية".
شكر وتقدير: ماثيو براين وأندراس جوكوتي، قطاع البراءات والتكنولوجيا، الويبو
برونو بوليكين وأولريك تيل ويونغ-وو يون، قطاع البنية التحتية والمنصات، الويبو
من تحرير: كاثرين جيويل
الغرض من مجلة الويبو مساعدة عامة الجمهور على فهم الملكية الفكرية وعمل الويبو، وليست المجلة وثيقة من وثائق الويبو الرسمية. ولا يراد بالتسميات المستخدمة وبطريقة عرض المادة في هذا المنشور بأكمله أن تعبر عن أي رأي كان من جهة الويبو بشأن الوضع القانوني لأي بلد أو إقليم أو منطقة أو سلطاتها أو بشأن تعيين حدودها أو تخومها. ولا يراد بهذا المنشور أن يعبر عن آراء الدول الأعضاء أو أمانة الويبو. ولا يراد بذكر شركات أو منتجات صناعية محددة أن الويبو تؤيدها أو توصي بها على حساب شركات أو منتجات أخرى ذات طبيعة مماثلة وغير مذكورة.