Fri Sep 13 11:14:50 CEST 2024
تمثل الزراعة واحدة من الركائز الرئيسية للاقتصاد الوطني في بيرو. ولكن يواجه هذا القطاع حالياً عقبات كبيرة فاقمها تغير المناخ وظاهرة "النينيو". وأدت أنماط هطول الأمطار غير المنتظمة إلى انتشار الحشرات والفطريات والآفات المحلية، مما تسبب في خلق تحديات كبيرة في مجال زراعة المحاصيل الرئيسية مثل القهوة والكاكاو. ومن شأن هذه التقلبات المناخية أن تؤدي إلى تدهور نوعية التربة، كما يمكن أن تؤثر سلباً على المحاصيل الزراعية، ما يؤثر بدوره مباشرةً على سبل عيش المجتمعات المعتمدة على الزراعة. وتدعم الويبو غرين المزارعين على مواجهة هذه التحديات بتسهيل التواصل بينها وبين مقدمي التكنولوجيات الخضراء.
وفي بيرو، يسعى مشروع تسريع وتيرة النمو الذي أطلقته ويبو غرين في أمريكا اللاتينية إلى تعزيز قدرة الأعمال الزراعية على الصمود أمام آثار تغير المناخ، وذلك بدعم من الصناديق الاستئمانية اليابانية للملكية الصناعية العالمية، وبالشراكة مع المعهد الوطني للدفاع عن المنافسة وحماية الملكية الفكرية (Instituto Nacional de Defensa de la Competencia y de la Protección de la Propiedad Intelectual) وبالتعاون مع الشركة الاستشارية المحلية BioActiva. وفي غضون السنة الأولى من إطلاق المشروع، أفضت هذه المبادرة إلى قصتي نجاح نكتشفهما فيما يلي.
Fundo Cristina مزرعة كاكاو تقع في مقاطعة بويرتو إنكا في هوانوكو. وتمتد المزرعة التي أنشأها ديفيد ه. على مساحة قدرها 12 هكتاراً، وتختص في زراعة أصناف الكاكاو المختلفة وإنتاج شوكولاتة باتشينكاو الرائعة. وهي موطنٌ لحوالي 1200 نبتة كاكاو مطرية لكل هكتار.
يعاني ديفيد بشكل متزايد من الآثار السلبية لتغير المناخ وظاهرة "النينيو" على محاصيل الكاكاو. وأشار إلى أن المزرعة واجهت تحديات قاسية بسبب هطول الأمطار على نحو لا يمكن التنبؤ به، مما أدى إلى فترات من الأمطار الغزيرة التي تسببت في تشبع التربة بالمياه وتآكلها تارةً، وفترات جفاف أدت أحياناً إلى فقدان التربة لرطوبتها ما أدى إلى تشققها تارةً أخرى. وقد تسبب هذا النمط من تقلب الطقس إلى اضطراب جدول الحصاد العادي. وقال ديفيد: "في العادة، تُجمع المحاصيل مرة كل أسبوعين على مدار السنة. ولكننا شهدنا في السنوات الأخيرة تغيراً جذرياً، حيث اقتصر جمع المحاصيل على مرتين فقط بحلول شهر سبتمبر ".
وإدراكا لضرورة التوصل إلى حل، بحث فريق BioActiva عن التقنيات المناسبة لمساعدة مزرعة الكاكاو. وقاد البحث الفريق إلى العديد من منتجي الهيدروجيل . والهيدروجيل (هلاميات مائية) هو بوليمر فائق الامتصاص مصمم لزيادة قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه وصرفها. ويمتص الهيدروجيل الماء عند توفره ثم يطلقه ببطء خلال فترات الجفاف. ويمكن أن يوفر هذا ما يصل إلى 85٪ من متطلبات المياه، ما يؤدي إلى تقليل الحاجة إلى الري.
وخلال سلسلة من الاجتماعات، نوقشت متطلبات المزرعة بإمعان. وفي نهاية المطاف، اختارت مزرعة Fundo Cristina المورّد المحلي Plantagel، وذلك بسبب الخدمات الشاملة التي يقدمها، والتي تضم تقديم الدعم التقني طوال المشروع التجريبي وتوفير أدوات التوثيق لتسجيل وقياس مراحل تقدم المشروع. وقد انعقدت هذه الشراكة رسمياً في منتصف سبتمبر 2023، ومثل ذلك شارة انطلاق تجربة مدتها شهران، سيوضع خلالها الهيدروجيل على مساحة 180 متر مكعب لتعزيز رطوبة التربة التي تنبت فيها 20 شجرة كاكاو.
وفي بيرو، كوسكو، تواجه منطقة لا كونفنسيون في سانتا تيريزا التي تقع على المنحدرات الشرقية لجبال الأنديز، مجموعة مختلفة من التحديات. فمنذ الانتقال إلى زراعة البن بطريقة عضوية في عام 2016، واجهت مزرعة البن Nogalpata التي تبلغ مساحتها ثلاث هكتارات وتقع تحت إدارة سارا غامارا بالومينو ورونيلدو سانشيز بيرز، عدداً متزايداً من الآفات والأمراض مثل الصدأ الأصفر والسوس وذباب الفاكهة.
وتواصل مستشارو ويبو غرين في الميدان بمقهى Ciclos Café المعروف بدعمه لمزارعي البن العضوي. وأفضى ذلك إلى عقد اجتماع بين فيليبي أليغا من المقهى وسارا من المزرعة، حيث شرحت له كيف أن ذباب الفاكهة القادم من مزارع الفاكهة القريبة يغزو الآن محاصيل البن في مزرعتها. وبعد مناقشات مع مزودي التكنولوجيا المحتملين، جرى تحديد مبيد GF-120 من إنتاج شركة باير كحل محتمل. GF-120 هو مبيد حشري عضوي تنتجه بكتيريا Saccaropolyspora spinosa المتواجدة في التربة. ويحتوي على مادة spinosad الطبيعية، وهي أحد عناصر المبيد النشطة، فضلاً عن طُعم من البروتين لجذب الحشرات المستهدفة. ويتميز هذا المبيد الحشري بانتقائيته الشديدة وهو معتمدٌ للاستخدام في الزراعة العضوية.
وعلى رأي سارا، ما ميز هذا المنتج هي تكلفته المنخفضة وسهولة استخدامه عن طريق بخه برشاشات تُحمل مثل حقيبة الظهر (وهي معدات تملكها المزرعة ولا تحتاج إلى شرائها)، وهذا ما يتفق مع المتطلبات التي وضعتها شركة Nogalpata. وكان القرار استراتيجيا، إذ أن الحلول المحتملة الأخرى تتطلب استخدام معدات مخصصة وموظفين تقنيين، وهي موارد لا يمكن للمزرعة توفيرها فوراً.
بدايةً، اختارت سارا شراء هذا المنتج لمزرعتها التي تبلغ مساحتها ثلاث هكتارات. وعندما اتضح أن العديد من المزارعين في المنطقة يعانون من مشاكل مماثلة، شاركت سارا رحلتها للتوصل إلى حل قابل للتطبيق بمساعدة ويبو غرين مع أعضاء تعاونية مزارع البن التي تنتمي إليها، والتي تضم أكثر من 300 عضو آخر، يشرف كل منهم على مزارع تصل مساحتها إلى تسع هكتارات. ويؤكد هذا التسلسل للأحداث نجاح المبادرة، ليس فقط في زيادة الوعي بشأن قضية بيئية تؤثر على جزء كبير من القطاع الزراعي، ولكن أيضا في استقطاب أصحاب المصلحة المحليين للتوصل إلى حلول قابلة للتنفيذ.
وقد أبلغ فريق BioActiva الخدمة الوطنية للصحة الزراعية (SENASA) بشأن احتمال تفشي هذه الحشرات. ورداً على ذلك، عرضت SENASA تسهيل الوصول إلى المختبرات المحلية لعلوم الحشرات لمساعدة المزارعين على تحديد صنفها والإبلاغ عنها. كما عرضت تيسير المناقشات مع حكومة كوسكو الإقليمية، وهي المسؤولة عن اتخاذ إجراءات وقائية لمكافحة انتشار الآفات في المنطقة.
إن مواجهة تحديات تغير المناخ في قطاع الزراعة أمر معقد كما توضحه التجارب في مزرعتي Fundo Cristina وNogalpata. وتعكس استراتيجيات التكيف التي تستخدمها هذه المزارع، مثل استخدام الهيدروجيل والمبيدات الحشرية العضوية، ضرورة التحلي بالمرونة والابتكار في مواجهة التقلبات البيئية الجديدة. ويسلط انتقال تحدي سارا الفردي إلى الوعي الجماعي داخل التعاونية الضوء كذلك على الحاجة إلى حلول قابلة للتطوير يمكن تكييفها مع مختلف الظروف. ويدل هذا الاتجاه نحو العمل الجماعي على الجهود الحثيثة لإيجاد حلول تستجيب لآثار تغير المناخ على الزراعة.
وقد انطلق فعلاً مشروع مزرعة Fundo Cristina التجريبي لاستخدام تكنولوجيا الهيدروجيل. وسيجري قياس التقدم الملموس في نسبة احتفاظ التربة برطوبتها والإبلاغ عنه في الأشهر المقبلة. ويظهر انطلاق المشروع، الذي تدعمه ويبو غرين وشركاؤها، ما تحمله الجهود التعاونية من إمكانات للتوصل إلى حلول بيئية مجدية. واستعداداً للمستقبل، سوف تذكرنا التجارب في مزرعتي Fundo Cristina وNogalpata بأهمية الاستعداد لتكييف حلولنا مع التحديات المتطورة.