Fri Aug 04 14:52:00 CEST 2023
بدءاً من تمكين الفحص الفوري لأمراض مثل السكري والملاريا من خلال وسائل التشخيص الرقمية، ووصولاً إلى إحداث ثورة في التصنيع الطبي باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد من أجل الأجهزة الطبية المخصصة، تحوّل الصحة الرقمية الطريقة التي يحصل بها الأشخاص على الرعاية الصحية. والنتيجة هي: سكان أوفر صحة. ومع استمرار نمو صناعة الصحة الرقمية، أصبح للملكية الفكرية أهمية متزايدة في هذا القطاع ويمكن استخدامها من أجل تعزيز التعاون ودفع عجلة الابتكار في مجال الرعاية الصحية الرقمية. ولكن لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به من أجل إتاحة حلول الصحة الرقمية في كل مكان، وضمان النفاذ المنصف على الرغم من وجود "الفجوة الرقمية".
تُعرِّف منظمة الصحة العالمية الصحة الرقمية في استراتيجيتها بشأن الصحة الرقمية (2020-2025) على أنها استخدام التكنولوجيات والبيانات الرقمية من أجل تعزيز الحصائل الصحية، وتحسين أداء النظام الصحي، وتمكين الأفراد من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن صحتهم ورفاههم. وتشدّد أيضاً على مبادئ الشفافية، وإمكانية النفاذ، وقابلية التوسّع، وإمكانية التكرار، وقابلية التشغيل البيني، والخصوصية، والأمن، والسرية.
ويتوسع نطاق الصحة الرقمية بشكل سريع، ويشمل تطبيقات الصحة المتنقلة، والأجهزة الملبوسة، والتطبيب عن بُعد، والسجلات الصحية الإلكترونية، ونظم المعلومات الصحية، والذكاء الاصطناعي. وهذه التكنولوجيات منقذة للأرواح. وقد أظهرت دراسة حديثة أن تنفيذ أجهزة الذكاء الاصطناعي الملبوسة، التي تشمل تكنولوجيات مثل الساعات الذكية المزودة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي لأغراض رصد الصحة في الوقت الحقيقي، يمكن أن يؤدي إلى إنقاذ حوالي 400,000 شخص في أوروبا، مما يؤدي إلى تحقيق وفورات سنوية في التكاليف قدرها 200 مليار يورو. ومن الواضح أن هذا القطاع مربح، إذ يُوجد في العالم ما يزيد عن 100 شركة مليارية تعمل في مجال التكنولوجيا الصحية الرقمية.
وقد حفّزت جائحة كوفيد-19 على زيادة اعتماد الصحة الرقمية في أنحاء كثيرة من العالم، وعلى توسيع نطاق الحصول على الرعاية الصحية إلى ما هو أكثر من الوسائل التقليدية. ويسّرت المنصات الرقمية جهود تتبع جهات الاتصال وساعدت على احتواء انتشار الفيروس. وازدادت خدمات الرعاية عن بُعد زيادة كبيرة، مما مكّن المرضى من الحصول على الإرشاد والدعم الطبيين الأساسيين بينما ينعمون بسلامة منازلهم.
ويتيح النشر السريع للتكنولوجيات الرقمية مثل برمجيات تعقب جهات الاتصال فرصاً لسد أوجه التفاوت الصحية. ولكي يتسنى تنفيذ الرعاية الصحية الرقمية على نحو فعال وجعلها في متناول الجميع، من المهم للغاية تبادل المعارف ونقلها والتعاون في مجال الملكية الفكرية من أجل المضي قدماً في الاستكشاف العلمي والتقاسم المنصف لمنافع أوجه التقدم العلمي والتطبيقات العلمية.
الملكية الفكرية هي دعامة الصحة الرقمية، فهي توفر التغطية لحماية ابتكارات العلماء ورواد الأعمال، وتيسّر في الوقت ذاته نفاذاً أسهل بالنسبة إلى المستخدمين من أجل الاستفادة من أوجه التقدم هذه. وسواء كان الأمر يتعلق بخوارزمية لبرمجية مبتكرة من أجل مراقبة المريض عن بُعد أو تطبيق متنقل يقدم خططاً مخصصة للياقة البدنية وميزات لتتبع الصحة، تضمن الملكية الفكرية إمكانية إنشاء حلول فريدة وثورية للصحة الرقمية وإتاحتها على نطاق واسع من أجل تحسين حصائل الرعاية الصحية لدى الأشخاص في جميع أنحاء العالم. ومن خلال حماية وتعزيز الإبداع والابتكار في مجال الصحة الرقمية، تدعم الملكية الفكرية أيضاً أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، بما في ذلك الهدفان 3 "الصحة الجيدة والرفاه" و9 "الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية" من أهداف التنمية المستدامة.
على الرغم من أن المنتجات الصحية الرقمية تحتوي في كثير من الأحيان على أجزاء يمكن حمايتها بموجب براءة، مثل المكونات الكيميائية أو الكهربائية أو الميكانيكية، فإن حماية المكونات التكنولوجية يمكن أن تطرح تحديات نظراً إلى طبيعتها المعقدة وغير الملموسة. وفي بعض الولايات القضائية، قد يستغرق الحصول على حقوق البراءات الخاصة بأساليب تحليل البيانات وقتاً طويلاً، مما يؤدي إلى اختيار المبتكرين الحماية باستخدام الأسرار التجارية من أجل ابتكاراتهم الصحية الرقمية. ويضمن هذا النهج السرية ويتماشى أيضاً مع التطور السريع للتكنولوجيا والطبيعة الديناميكية التي تتسم بها شركات الصحة الرقمية. وإضافة إلى ذلك، من الضروري توفير الحماية للبرمجيات أو قواعد البيانات أو الوثائق الخاصة بالصحة الرقمية من أجل تجنب الاستخدام غير المصرح به لهذه الأصول القيّمة.
هناك أنواع أخرى من الملكية الفكرية أيضاً تكتسي أهمية في مجال الصحة الرقمية. وتؤدي العلامات التجارية دوراً حاسماً في حماية أسماء العلامات وشعاراتها، مما يضمن قدرة الشركات على تمييز نفسها في السوق. وتجري حماية المظاهر المميزة للمنتجات عن طريق التصاميم، بينما تُحفظ التصاميم المرئية المميزة عن طريق المظهر التجاري، مما يعطي الشركات ميزة تنافسية في السوق.
البيانات هي عصب الصحة الرقمية، إذ تقوم منتجات الرعاية الصحية الرقمية بشكل منتظم بجمع وتخزين المعلومات المتعلقة بالمرضى، التي يمكن نقلها إلى المهنيين في مجال الرعاية الصحية أو المستشفيات. والمخاطر التي تكتنف حماية هذه البيانات الشخصية والخصوصية آخذة في الازدياد. وتوفر حماية الملكية الفكرية ضمانات للبيانات الصحية للمرضى، بما في ذلك السوابق الطبية ونتائج الاختبارات التشخيصية، وذلك بموجب مختلف قوانين الملكية الفكرية. وتُعد تكنولوجيات إدارة الحقوق الرقمية أداة قيّمة في هذا الصدد.
تؤدي المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) دوراً محورياً في تعزيز المناقشات وتبادل المعارف بين الدول الأعضاء وأصحاب المصلحة فيما يتعلق بالتكنولوجيا الرقمية والملكية الفكرية. وتتجلى مهمتها في دعم الخيارات السياساتية المستنيرة وتوفير أدوات وتوجيهات عملية للتعامل مع مشهد الملكية الفكرية المعقد في العالم الرقمي سريع التغير. ومن خلال عملية مفتوحة، تقود الويبو حالياً العديد من المناقشات التي تتناول مواضيع ذات صلة بالصحة الرقمية. ويشمل ذلك المحادثات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والتداعيات السياساتية على الملكية الفكرية، مثل المحادثة بشأن الملكية الفكرية والتكنولوجيات الحدودية، التي توفر منتدى لمناقشة أثر التكنولوجيات الحدودية على جميع حقوق الملكية الفكرية، وسد الثغرات في هذا المجال سريع التطور.
أطلقت المنظمات الدولية مبادرات تستفيد من إمكانات الصحة الرقمية. وفي الآونة الأخيرة، استهلت الويبو، إلى جانب الاتحاد الدولي للاتصالات ومنظمة الصحة العالمية، المبادرة العالمية بشأن الذكاء الاصطناعي من أجل الصحة بهدف ضمان أن يحقق الذكاء الاصطناعي إمكاناته من أجل دعم التشخيص والعلاج، إضافة إلى خدمات الرعاية الصحية الأكثر كفاءة وشمولاً. وتقوم مبادرة "تمتع بالصحة بفضل الأجهزة المتنقلة"، التي يقودها الاتحاد الدولي للاتصالات ومنظمة الصحة العالمية، بتسخير التكنولوجيا المتنقلة لدعم خدمات الرعاية الصحية، ولا سيما في البيئات المنخفضة الموارد. وتجمع الشراكة العالمية للصحة الرقمية بين الحكومات وخبراء الصحة الرقمية والمنظمات من أجل النهوض بالمعايير العالمية للصحة الرقمية وأفضل الممارسات، وتعزيز تبادل المعارف وجهود التشغيل المشترك.
تشجع المبادرات مثل مبادرة التعهدات المفتوحة لمكافحة مرض كوفيد المنظمات على إتاحة براءاتها وحقوق المؤلف الخاصة بها مجاناً خلال الجائحة، من أجل تيسير التنفيذ العالمي الفعال لتطبيقات تتبع جهات الاتصال وغيرها من أدوات الصحة الرقمية. وعلاوة على ذلك، فإن مبادرة التعهدات المفتوحة لمكافحة مرض كوفيد، وهي شريك منفذ لمجمع إتاحة التكنولوجيات الخاصة بكوفيد-19 C-TAP))، الذي أُطلق في عام 2020، تتيح منصة للمطورين من أجل تقديم ملكيتهم الفكرية ومعارفهم وبياناتهم للمصنعين المتمتعين بضمان الجودة، وذلك بهدف ضمان النفاذ الأسرع والمنصف والميسور الكلفة إلى المنتجات الصحية لمكافحة كوفيد-19، بما في ذلك الأدوات الرقمية، أمام الناس في جميع البلدان.
وتظهِر هذه المبادرات، من بين أمور أخرى، الالتزام بإطلاق العنان للإمكانات التحويلية للصحة الرقمية، وتحسين تقديم الرعاية الصحية، وضمان الحصول العادل على خدمات الرعاية الصحية عالية الجودة في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، لا تزال الفجوة الرقمية العالمية قائمة، وينبغي دعم البلدان التي تعاني من أعباء عالية من حيث الأمراض وتفتقر أيضاً إلى البنية التحتية الرقمية الكافية من أجل سد الفجوة.